ملخص:
تجرم تونس فعليًا الهويات والتعبيرات الجندرية التي تخرج عن القواعد المجتمعية من خلال تطبيق المادتين 226 مكرر و230 من قانون العقوبات. يستهدف إنفاذ هذه الأحكام النساء العابرات جندريًا بشكلٍ غير متناسب.
أدى عدم وجود إطارٍ شاملٍ للاعتراف القانوني بالجندر في تونس إلى عدم اتساق الأحكام الصادرة عن المحاكم، والتي غالبًا ما تعتمد على الآراء الشخصية للقضاة. يبدو أن المحاكم تعطي الأولوية للالتزام الصارم بالفهم الثنائي للجنس قبل جميع الاعتبارات الأخرى. علاوة على ذلك، تؤثر تفسيرات الشريعة بشكلٍ كبيرٍ على القرارات القضائية، مما يترك مجالًا لتباينٍ كبيرٍ بناءً على المعتقدات والتفسيرات الشخصية للقضاة.
ويواجه الحصول على الرعاية المؤكدة للجندر تحدياتٍ بسبب محدودية المعلومات والموارد. ومع ذلك، يمكن الحصول على بعض الإجراءات من خلال المهنيين/ات الطبيين/ات المستنيرين/ات والموثوق بهم/ن.
التجريم:
على أرض الواقع: في حين أن تونس ليس لديها قوانين محددة تجرم العبور الاجتماعي، الطبي، أو الجراحي، فمن المهم ملاحظة أن عدم المطابقة الجندرية يتم تجريمه فعليًا في البلاد. ويرجع ذلك إلى حدٍ كبيرٍ إلى تطبيق أحكامٍ ضد المثلية الجنسية والفجور في قانون العقوبات:
- الفصل 226 مكرر – أضيف بالقانون عدد 73 لسنة 2004 المؤرخ في 2 أغسطس 2004:
يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنًا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنا إلى مضايقة الغير بوجه يخل بالحياء. ويستوجب نفس العقوبات المذكورة بالفقرة المتقدمة كل من يلفت النظر علنا إلى وجود فرصة لارتكاب فجور وذلك بكتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعية أو بصرية أو إلكترونية أو ضوئية.
- الفصل 230:
اللواط أو المساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقرّرة بالفصول المتقدّمة يعاقب مرتكبه بالسجن مدة ثلاثة أعوام.
الإنفاذ:
- أكتوبر 2021: في أكتوبر 2021، تم القبض على امرأتين عابرتين جندريًا وتعرضتا لسوء المعاملة، والتي شملت انتهاك حقهما في التمثيل القانوني. بشكلٍ مأساوي، قامت إحداهما بمحاولة انتحار أثناء وجودها في حجز الشرطة. علاوة على ذلك، تعرضا لمضايقاتٍ مستمرة من قبل موظفي إنفاذ القانون، الذين أساءوا إلى هوياتهما من خلال الكشف عنها لزملائهما المحتجزين. ونتيجة لذلك، تم نقلهما إلى مرفق إصلاحي مخصص للسجناء الذكور، حيث أصبحا ضحايا لأعمال تجريدٍ من الإنسانية، مثل العري القسري والاعتداء الجسدي وحلق شعرهما قسرًا، تليها الحبس في عزلة.
- قضية مايا: في 12 ديسمبر 2022، تم القبض على أربعة أفرادٍ بعد تقرير مجهول بشأن تجمع “أفرادٍ مشبوهين” داخل مسكنٍ خاص. وكان من بين المحتجزين رجل مثلي الجنس مجهول الهوية ومايا، وهي امرأة عابرة جندريًا، تم القبض عليهما ومحاكمتهما وفقا للمادة 230 من قانون العقوبات. وحُكم على الجاني الذكر بالسجن لمدة سنة واحدة، بينما حُكم على مايا بعقوبة قصوى قدرها ثلاث سنوات. وقد تم توثيق أن مايا عانت من حالات التعذيب والتحرش الجنسي على أيدي ضباط إنفاذ القانون طوال هذه التجربة المؤلمة. وقد أُخضعت قسرًا لحلق الرأس دون رضاها واحتُجزت داخل مرفق إصلاحي مخصص للسجناء الذكور. بعد ذلك، قررت محكمة الاستئناف، في 27 فبراير 2023، تخفيف عقوبتها إلى فترة ستة أشهر. ومع ذلك، لم يتم إطلاق سراحها حتى 18 مارس بشروط الإفراج المشروط.
الاعتراف القانوني بالجندر:
لا توجد تشريعات محددة تنظم الإجراءات القانونية للاعتراف بالجندر في تونس. ومع ذلك، فإن أي تعديلاتٍ تتعلق بالحالة المدنية للفرد، مثل الاسم أو خانة الجنس، تتم من خلال قرارٍ صادرٍ عن المحكمة. وتسجل هذه التصحيحات اللازمة، إلى جانب أرقام الأحكام القضائية المقابلة، على النحو الواجب في السجل المدني. وفيما يلي الإطار القانوني الذي ينظم هذا الإجراء:
قانون تنظيم الحالة المدنية:
الفصل 63:
نقح بالقانون عدد 88 لسنة 1986 المؤرخ في غرة سبتمبر 1986). رئيس المحكمة الابتدائية بالمنطقة التي حرر فيها الرسم أو نائبه هو الذي يأذن بإصلاح رسم الحالة المدنية. وإذا لم يصدر الطلب من وكيل الجمهورية فلا بد من اطلاعه عليه. ويقع طلب إصلاح رسوم الحالة المدنية المحررة أثناء رحلة بحرية أو في الخارج أو في الجيش من رئيس المحكمة الابتدائية بالمنطقة التي وقع فيها الترسيم أو نائبه وينطبق هذا على رسوم الوفيات التي نص على ترسيمها بالفصل 46 من هذا القانون. ويقع إصلاح رسوم الحالة المدنية المحررة أو المرسمة من طرف الأعوان الديبلوماسيين والقناصل بإذن صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بتونس أو نائبه. كما يقع النظر في طلب إصلاح أحكام ثبوت الولادة أو الوفاة من نفس المحكمة التي صرحت بالولادة أو الوفاة. ولا يمكن بحال أن يحتج على الغير بالأحكام القاضية بالإصلاح. ويعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون ديناراً كل من يتعمد الكذب بقصد الحصول على حكم يقضي بإصلاح رسم من رسوم الحالة المدنية.
الفصل 64:
يقع توجيه أحكام وقرارات الإصلاح حالا من طرف وكيل الدولة لضابط الحالة المدنية بالمنطقة التي رسم فيها الرسم المصلح ويقع ترسيم نصوص الأحكام بالدفاتر ويلاحظ على ذلك بطرة الرسم المصلح.
عدم وجود إطارٍ قانونيٍ ينظم الاعتراف القانوني بالجندر يسمح للقضاة بتفسير القوانين والاجتهاد القضائي و “أهداف الشريعة” كأساسٍ لأحكامهم الفردية، مما يؤدي إلى قراراتٍ غير متسقةٍ تتأثر بالتعاطف الشخصي للقضاة.
علاوة على ذلك، فإن عدم الاعتراف بعلامة جنسٍ ثالثة أو محايدة أو غير ثنائية على المستندات القانونية يجعل عملية تغيير مؤشر الجنس تحديًا للأفراد ثنائيي/ات الجنس. ليس من الممكن تعديل المؤشر الجنسي للفرد على أوراق الهوية دون الخضوع لعمليةٍ جراحيةٍ لمواءمةٍ جميع الخصائص الجنسية للفرد مع واحدٍ من الجندرَيْن.
الإنفاذ:
- القضية رقم 10298/1993: رفعت سامية دعوى قضائية أمام محكمة تونسية لطلب تعديل اسمها وخانة الجنس في الوثائق الرسمية. رفضت المحكمة الادعاء مشيرة إلى عدم الامتثال للشريعة الإسلامية والاتفاقيات المجتمعية. استأنفت سامية القرار، لكن المحكمة العليا أيدت الحكم، رافضةً الدعوى.
- القضية رقم 12304/2018: رفع ريان دعوى قضائية أمام المحكمة التونسية لتغيير اسمه وجنسه في شهادة ميلاده بعد عبوره من أنثى إلى ذكر. واعترفت المحكمة، مستشهدة بالمعايير والمبادئ القانونية الدولية، بأن العلاج الهرموني والجراحي شرط مشروع وضروري من الناحية الطبية للمدعي، مما يجعله متوافقا مع الشريعة. ونتيجة لذلك، منحت المحكمة تعديل خانة الجنس والاسم في شهادة الميلاد.
- القضية رقم 38291/2020: رفع المدعي دعوى قضائية لتحديث سجلاته الرسمية لتعكس تصحيحًا في الجنس من أنثى إلى ذكر. ومع ذلك، رفضت المحكمة الطلب بعد أن كشف فحص طبي أن المدعي يتمتع بخصائص ذكورية وأنثوية.
الرعاية الصحية المؤكدة للجندر:
لا توجد أحكام قانونية صريحة تمنع المهنيين الطبيين من تقديم رعاية مؤكدة للجندر لمرضاهم/ن، على الرغم من أن الأطباء غالبًا ما يفتقرون/ن إلى المعرفة ببروتوكولات العلاج المناسبة ويختارون/ن الامتناع عن تقديم هذه الرعاية.
لم نواجه أي قضايا قانونية حيث واجه الطبيب إجراءات قانونية لتقديم رعاية مؤكدة للجندر لمرضاه العابرين/ات جندريًا.
تشير شهادات الأفراد العابرين/ات جندريًا في تونس إلى أن بعض الإجراءات (مثل العلاج بالهرمونات البديلة، جراحة الثديين) متاحة من خلال ممارساتٍ خاصةٍ يديرها أطباء مطلعون/ات وآمنون/ات، ويمكن تحديد موقعهم/ن من خلال شبكات الدعم المجتمعي. ومع ذلك، يمكن أن تكون الرعاية الصحية الخاصة مكلفة ولا يمكن الوصول إليها بالنسبة لبعض الأفراد، مما يؤدي بهم إلى اللجوء إلى العلاج الذاتي بالهرمونات التي لا تستلزم وصفة طبية كوسيلةٍ للعلاج.
الفتاوي:
لم تصدر عن مفتي الجمهورية التونسية أي فتاوى عامة بشأن مسألة العبور. وبما أن تونس دولة ذات أغلبية سنية، فمن المفترض عمومًا أنها تلتزم بالتفسيرات الشاملة للزعماء الدينيين، مثل الفتاوى الصادرة عن الأزهر (مصر) أو مجلس الفقه الإسلامي (المملكة العربية السعودية). ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الفتاوى تعتبر مبادئ توجيهية للقضاة، لأن تفسير أهداف الشريعة يخضع لاختصاصهم على أساس كل حالة على حدة. والقضاة ليسوا ملزمين باتباع الأحكام الصادرة عن دار الإفتاء أو غيرها من المؤسسات.