Search
Close this search box.

|

 مواطنين/ات مع وقف التنفيذ: عن إشكاليات تغيير أوراق والحصول علي الخدمات الطبية للعابرين/ات في مصر

تعتبر الحقوق المدنية للأشخاص في الدول المدنية الحديثة مثل الحق في الحياة، الحرية، الاعتراف بالاسم، الجنسية، الشخصية القانونية، من الحقوق المسلم بها في مواثيق حقوق الإنسان العالمية، والتي كفلتها دساتير أغلب دول العالم. ولكن هذه الحقوق الإنسانية “البديهية” للبعض ليست كذلك لجميع الأفراد. فعلى أرض الواقع يكافح العديد من الأفراد من أجل الحصول على تلك الحقوق/ الامتيازات التي لا يشعر بقيمتها الحقيقية أغلب الأفراد وهم يعيشون حياتهم اليومية. تلك البطاقات والأوراق ذات الأختام الرسمية اللامعة التي تسمح للإنسان بالالتحاق بالجامعة أو العمل أو حجز تذكرة سفر أو المرور في كمائن الشرطة، أو فتح حساب بنكي، أو تأجير أو شراء إحدى العقارات، تلك البطاقات والأوراق التي تطوى بإهمال وعلى عجل في الحقائب وجيوب السترات والأدراج، تبدو للبعض كتذاكر ويلي وانكأ الذهبية لمصنع الشوكولاتة![1] ..عن العابرين/ات ومعاناة التعايش والاعتراف والاندماج نتحدث.

من هم العابرين/ات

يتم تحديد جنس الفرد عادة بموجب تحديد الأعضاء التناسلية بمجرد الميلاد ويعطي الفرد اسمه وبالتالي ينتظر منه لعب الدور الاجتماعي المتوقع وفقا لذلك. ولكن بعض الأفراد لا تمضي حياتهم/ن بتلك السلاسة. فهناك بعض الأشخاص الذين يعانون من “اضطراب الهوية الجنسية” أي الشعور بأن هويتهم العقلية/ نوعهم الاجتماعي غير متوافق مع جسدهم/ن البيولوجي. ويعاني العابرين/ات من الانزعاج الجندري الذي تتراوح حدته من شخص لآخر. ويسعى العابرين/ات للخضوع للمتابعة النفسية والعلاج الهرموني والجراحات التحويلية من أجل التوفيق بين جنسهم/نوعهم الاجتماعي وبين أجسادهم/ن البيولوجية. ولكن عادة ما يستتبع تلك الخطوات العديد من العراقيل القانونية والإجرائية، ناهيك عن الوصم الاجتماعي والتمييز والتهديدات التي يتعرض لها العابرين/ات سواء من قبل الدولة أو من المواطنين الغير رسميين.

الوضع القانوني للعابرين/ات في مصر

من فترة لأخرى يُسمع عن عمليات جراحية تتم هنا أو هناك لتغيير الجنس، وتعتبر أول عملية جراحية لتغيير الجنس في مصر قد حازت على قدر كبير من الاهتمام الإعلامي هي لـ “سالي” الطالبة بكلية الطب بجامعة الأزهر عام 1988 وقد أثارت هذة العملية الكثير من الجدل الديني والاجتماعي في مصر حول عمليات تغيير الجنس. ولكن مع ذلك لا يوجد أي قانون في التشريعات المصرية ينظم قواعد وإجراءات تغيير الجنس، أو حتى الاعتراف بوجود “العابرين/ات”. ويبدو هذا الفراغ التشريعي متعمداً، إذ أن الاعتراف بوجود “العابرين/ات” سوف يتبعه بالضرورة مطالبتهم بحقوقهم المدنية وفقا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها الدولة المصرية، بالإضافة لاستحقاقات الدستور المصري وكافة التشريعات الوطنية. لكن إذا كانت الدولة المصرية لا تعترف بالعابرين/ات ولا يوجد قانون ينظم قواعد وإجراءات عمليات تغيير الجنس وبالتالي تغيير الأوراق الرسمية، فلمن يجرون تلك العمليات، وعلى أي أساس قانوني أو رسمي تتم تلك العمليات على قلتها؟

لجنة تصحيح الجنس

حتى مطلع عام 2003 لم يكن هناك أي قوانين أو قواعد إدارية تنظم إجراءات عمليات تغيير الجنس، ما يعني أن تلك العمليات في حالة إجرائها كانت تتم وفقا لتعليمات وتوجيهات بعض المسئولين في الجهات الحكومية المختلفة والتي قد تتباين قراراتهم وفقا لاختلاف آرائهم وخلفياتهم الثقافية والدينية والاجتماعية في تلك العمليات. ولكن في سبتمبر 2003 أصدر وزير الصحة لائحة تنظيم آداب المهنة والتي نصت لأول مرة في أدبيات الدولة المصرية بشكل رسمي على جراحات تحويل الجنس. حيث نصت المادة 43 من اللائحة على تشكيل لجنة لتصحيح الجنس وقد اشترطت اللجنة لإجراء عمليات التصحيح أن ” تتم العملية بعد إجراء التحاليل الهرمونية وفحص الخريطة الكروموزومية وبعد قضاء فترة العلاج النفسي والهرموني المصاحب لمدة لا تقل عن عامين.”

ولكن الفئة المخاطبة بلجنة تصحيح الجنس هم في الحقيقة “بيني الجنس” وليس العابرين/ات. أي الأشخاص الذين لديهم خلل بيولوجي أو هرموني ويتراوح جسدهم بين الذكورة والأنوثة، بينما لا تعني تلك اللجنة بحالات العابرين/ات الذين يعانون من “اضطراب الهوية الجنسية” أي الأشخاص الذين يريدون العبور الجنسي لأسباب نفسية بدون أن يصاحبها أسباب بيولوجية. وإن كانت تسمح اللجنة من حين لآخر للعابرين/ات بتقديم طلباتهم إليها بدون أي وعود مسبقة بقبولها أو مواعيد محددة للرد عليها.

وقد نصت لائحة نقابة الأطباء بشكل صريح على رفض عمليات تغيير الجنس والقبول بتصحيح الجنس لبيني الجنس فقط، ويأتي هذا الموقف رغبة في عدم الاصطدام بالمؤسسات الدينية الرسمية التي تعترف ببيني الجنس فقط دون العابرين/ات جنسيا. فقد صرح الدكتور على جمعة المفتي السابق للدولة بـ

“إنه لا يجوز إجراء العملية الجراحية التي تسمى: تحويل الجنس أو تغييره أو تصحيحه إلا في حالة الخنثى الذى اجتمعت فيه أعضاء جسدية تخص الذكور والإناث (كآلة التناسل مثلا)، كما يتضح أنه لا يجوز شرعا الاعتماد في تحديد هوية (الخنثى المشكل) الجنسية على سلوكه وميوله إلا في حالتين: الأولى: عند العجز عن التحديد بناء على العلامات المادية المذكورة، والثانية: إذا لم يكن له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأي الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلي بأن روحه تنتمى إلى الجنس الآخر.”

 ويمكننا أن نستشف رأي مؤسسة دار الإفتاء في أغلب طلبات تغيير الجنس المرسلة إليها من لجنة تصحيح الجنس وفقا لفهم رجال الدين لإشكالية العبور الجنسي. ففي حين ترحب بالموافقة لبيني الجنس-الخنثى بالتعبير الفقهي- فهي ترفض بشكل قاطع العابرين/ات الذين يعانون من “اضطراب الهوية الجنسية” دون أن يعانوا من أي اضطرابات بيولوجية.

تشكيل اللجنة

تتشكل اللجنة من 2 أطباء نفسيين، وأستاذ علم وراثة، وأستاذ أمراض ذكورة، ورئيس اللجنة من نقابة الأطباء، وتخضع اللجنة لإشراف مباشر من جانب لجنة آداب المهنة بالنقابة. هذا بالإضافة لعضو من دار الإفتاء المصرية.

ومنذ تشكيل هذه اللجنة لا يوجد أي بيانات رسمية عن عدد الطلبات التي قدمت إليها وعن عدد الطلبات التي تم الموافقة عليها أو رفضها، ولا يوجد في الحقيقة أي إجراءات محددة تلزم اللجنة بالموافقة أو الرفض في مدة زمنية محددة. ولكن في سبتمبر 2021 صرح د. أسامة عبد الحي رئيس اللجنة بأن

 “هناك 14 حالة تم إحالتهم للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، لإصدار الفتوى الخاصة بكل حالة، بالإضافة إلى 27 ملف لحالات في انتظار العرض على اللجنة بعد استكمال المرضى لأوراقهم. بالإضافة لأنه منذ عام 2013 وحتى الآن لم تحصل إلا حالة واحدة على الموافقة الطبية من اللجنة وصدر لها فتوى الأزهر لإجراء جراحة تصحيح الجنس لها، إلا أن النقابة لم تتابع بعد الموافقة إن كانت الحالة أجرت الجراحة بالفعل أم لا.”

وكانت تلك الطلبات خاصة بالعابرين/ات الذين يعانون من اضطراب الهوية الحسنية ، بينما صرح في وقت سابق انه في الفترة منذ عام 2014 وحتى عام 2017 قد وافقت اللجنة على 87 طلبا خاصين “ببيني الجنس”. أي أنه في خلال 8 سنوات تمت الموافقة على طلب واحد فقط خاص بـ “مضطربي الهوية الجنسية” ، بينما تمت الموافقة على 87 طلب خاص بـ “بيني الجنس” في ثلاثة أعوام فقط.

وإذن فيمكن للعابرين/ات أن ينتظروا مدة غير محددة قد تصل لسنوات بدون أن تفصل اللجنة في طلباتهم بتحويل الجنس سواء بالقبول أو الرفض. وفي خلال هذه الفترة المليئة بالمعاناة لهم/ن والاضطهاد المجتمعي والضغوط النفسية والانزعاج الجندري، يجبر العابرين/ات على الاختيار بين قرارين كلاهم مر، الأول هو انتظار قرار اللجنة لعدة سنوات رغبة في التمسك بالأمل، عالمين/ات بأن القرار قد يأتي بالرفض في النهاية، مخاطرين بضياع العديد من سنوات أعمارهم/ن في معاناة وألم بلا أي طائل. والثاني هو البدء في الخضوع للعلاج الهرموني بدون انتظار قرار اللجنة، وهو ما قد يصعب من استكمال اجراءات تغيير أوراقهم/ن بشكل رسمي.

ومما يؤخذ على” لجنة تصحيح الجنس ” أنه لا يوجد أي تفسير لضرورة وجود ممثل لدار الإفتاء في تلك اللجنة الطبية المتخصصة؟ أو عن ضرورة إرسال طلبات العابرين/ات لدار الإفتاء مرفقة بآراء اللجنة الطبية؟ …هل هي وصاية دينية؟ ولماذا لا يوجد ممثل عن الكنيسة المصرية للعابرين/ات المسيحيين؟

وبالرغم من عدم تحديد اللائحة لأي دور لمؤسسة دينية يتقاطع مع عمل لجنة تصحيح الجنس ولكن مع ذلك فضلت نقابة الأطباء إضافة عضو من دار الإفتاء أو إرسالها لطلبات العابرين/ات إليها، وذلك تجنباً لأي صدام أو هجوم محتمل من المؤسسات الدينية ضد عمل اللجنة. والحق أن تدخل مؤسسة دار الإفتاء المصرية في عمل تلك اللجنة يطرح العديد من الأسئلة حول وصاية المؤسسات الدينية على عمل لجنة علمية متخصصة تتبع نقابة الأطباء المصرية وفي شأن طبي لا يمكن أن تمتد إليه معرفة العاملين بدار الإفتاء على الإطلاق.

إشكاليات العمليات الجراحية في مصر

يعتبر احتياج الإنسان للرعاية الصحية ومدى توافر الخدمات الطبية وإمكانية الوصول إليها جزءاً أصيلا من حقوق الإنسان الأساسية، ولكن نظرا لعدم اعتراف الدولة المصرية بوجود العابرين/ات، فلا تتيح لهم إجراء عمليات “تحويل الجنس” بإرادتهم المنفردة. وتشترط موافقة لجنة تصحيح الجنس لإجراء تلك العمليات. ووفقا للائحة آداب المهنة فإنه يحظر على الأطباء إجراء عمليات “تحويل الجنس” وقد يتعرض الطبيب الذي يجري عمليات تحويل الجنس بدون موافقة اللجنة للمسائل التأديبية والتي قد تصل لشطبه من النقابة.

وتضطر هذه الظروف العديد من العابرين/ات إلى اللجوء لبعض الأطباء الذين يجرون هذه العمليات في الخفاء خاصة في ظل موافقة غالبا ما تجئ بالرفض أو يظل مصيرها معلقا للأبد. وعادة ما تتم تلك العمليات في عيادات خاصة وأماكن سرية وبدون الحد الأدنى من الرعاية الطبية اللازمة ما قد يتسبب أحيانا في وفاة العابرين/ات، ومن أبرز تلك الوقائع هو وفاة العابر جنسيا “أحمد فارس” والمعروف باسم عز في مصر في أغسطس 2021.

 ومع ذلك لا تقتصر مشاكل عمليات تحويل الجنس في مصر على مخاطر الوفاة فقط في حالة إجراء تلك العمليات خارج الإطار الرسمي، بل يعاني العابرين/ات أيضاً لعدم توافر الأطباء المتخصصين بشكل كافي في تلك العمليات في مصر. وقد صرح رئيس لجنة تصحيح الجنس بأنه

 ” لا يوجد لدى اللجنة حصراً بعدد الأطباء الذين يمكنهم إجراء عمليات تحويل الجنس، بالإضافة إلى أن الدراسة النظرية قاصرة ومحدودة جدا، لأن هذا النوع من العمليات يحتاج إلى تخصصات دقيقة ومتقدمة جدا، وليس في التخصصات العامة التي يتم تدريسها بكليات الطب.”

ما يعني أن العابرين/ات مهددين بإجراء عمليات ربما قد لا تكون موافقة للحد الأدنى من المعايير الطبية مقارنة بمستوى نجاح تلك العمليات في دول أخرى. 

التكلفة الاقتصادية لعمليات تغيير الجنس

لا تقتصر معاناة العابرين/ات على الاضطهاد المجتمعي وعدم لاعتراف الدولة بهويتهم فقط، بل تشمل معاناتهم الجانب الاقتصادي أيضاً. فحتى بافتراض نجاحهم في الحصول على موافقة من لجنة تصحيح الجنس إلا أن ذلك لا يعني أن الدولة تتكفل بإجراء العملية أو حتى بتوجيه العابرين/ات إلى بعض الأطباء التي تثق فيهم اللجنة. ويتعين على العابرين/ات البحث بأنفسهم عن دكتور يمكن أن يكون ملما بهذا النوع من العمليات مع حصولهم على كافة الموافقات الرسمية. وكان متوسط تكلفة تلك العملية حتى عام 2021 حوالي ثلاثين ألف جنية بدون أن تشمل الرعاية الصحية والأدوية اللازمة، وبالقطع قد تضاعف هذا المبلغ الآن خاصة بعد تعويم الجنية المصري في نهاية عام 2022 وبداية عام 2023. وبالقطع يشكل هذا عبئا كبيرا على العابرين/ات الذين ينتمون للطبقة المتوسطة أو الفقيرة. ولا تبدو الدولة أو الجمعيات الأهلية مهتمين بدعم التكلفة المادية لتلك العمليات أسوة باهتتماهم بدعم عمليات أخرى، ظنا منهم أن عمليات تغيير الجنس تدخل في إطار عمليات التجميل أو الرفاهية. بينما يمثل الانزعاج الجندري لدي العابرين/ات كابوسا قد يدفع بعضهم/ن للانتحار أحياناً بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية للتأخر في إجراء العملية.

أما في حالة عدم نجاح العابرين/ات في الحصول على الموافقات الرسمية اللازمة وعلى رأسها موافقة لجنة تصحيح الجنس فإن الوضع يزداد سوءا.  فعادة ما يضطر العابرين/ات إلى الحصول على الخدمات الطبية من الباب الخلفي ويتعرضون أحياناً للنصب والوقوع في حبائل السماسرة والوسطاء، بالإضافة لدفع مبالغ مضاعفة عن تكلفة العمليات الرسمية والتي تتم في المستشفيات الحكومية أو الخاصة كثمن لإجراء العملية بدون الموافقات الرسمية. كل هذه العوامل تجعل عمليات تغيير الجنس الضرورية للعابرين/ات في متناول القادرين على تكلفتها الاجتماعية فقط للأسف.

إشكاليات تغيير الأوراق

وفقا للسيناريو المثالي يجب على العابرين/ات أن يتقدموا بطلب إلى السجل المدني التابعين له، وانتظار رد لجنة تغيير القيد، وقد نصت المادة 46 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 على تشكيل لجنة تغيير القيد لتنظيم حالا ساقطي القيد أو تصحيح البيانات إلخ، ولكنها لم تنص على حالات تغيير النوع/الجنس ومع ذلك تظل هي اللجنة المختصة لتلقي قبول طلبات العابرين/ات. وفي حالة الموافقة على الطلب تتم إجراءات تغيير الأوراق الرسمية. وفي الحقيقة لا تختلف أدبيات عمل البيروقراطية الحكومية في لجنة تغيير القيد عن غيرها من اللجان، فعلى حسب الموقع الاجتماعي والطبقي للشخص ومدى قوة علاقاته ونفوذه يمكن أن تختلف الفترة الزمنية اللازمة لأنهاء الأوراق الرسمية. بل وأحياناً يمكن أن يتوقف مصير الطلب سواء بالقبول أو الرفض بناء على هذه العوامل! وإذا كان هذا هو طبيعة الأمور في المصالح الحكومية العادية، إلا أن تحكم تلك اللجنة في قرار مصيري مثل تغيير الأوراق الرسمية للعابرين/ات وبالتالي إعطائهم قبلة الحياة للاستمرار في “ممارسة الحياة” كمواطنين مصريين، لا يتحمل أن تعصف به موازين القوى الاجتماعية والاقتصادية، خاصة لدى العابرين/ات الفقراء والمنتمين للطبقي الوسطى.

ولكن هذا السيناريو المثالي نادر الحدوث. وعادة ما ينتظر العابرين/ات موافقة لجنة تصحيح الجنس على طلباتهم/ن لعدة سنوات، وفي حالة اليأس من انتظار رد اللجنة أو الرد بالرفض، يبدأ بعض العابرين/ات إلى العلاج الهرموني ومن ثم يتقدمون بطلب تغيير القيد أمام السجل المدني. ولكن قرارات لجنة تغيير القيد لا تتبع سياسة عامة موحدة في جميع محافظات مصر، بل تتغير من سجل مدني لآخر وفقا لقناعة وثقافة العاملين به، وبالتالي إذا كان العابرين/ات محظوظين يمكن أن يقدموا طلباتهم في سجل مدني يتعاطف مع حالاتهم، وإلا فمصير طلباتهم هو الرفض.

في حالة الرفض لا يكون أمام العابرين/ات سوى التقاضي أمام القضاء الإداري لإلزام الدولة بتغيير الأوراق ولكن خطورة تلك الخطوة أنه في حالة رفض الدعوى فإنه لا يحق للشخص رفع الدعوى لنفس السبب مرة أخرى، بمعنى آخر لا يكون لدى العابرين/ات أي سبيل أو خطوات لتغيير الأوراق الرسمية حتى بعد خضوعهم للعلاج الهرموني وتغيير ملامح أجسادهم/ن عن خانة الجنس المدون في الأوراق الرسمية وبالتالي يكون العابرين معرضين لوضع يمكن تسميته بالموت المدني! فأجسادهم/ن لم تعد تتطابق مع أوراقهم الثبوتية القديمة ولم يعد من السهل أن يتعاملوا مع المجتمع والمصالح الحكومية وفقا لها، وهم كذلك لم يحصلوا على أوراق ثبوتية جديدة!

ولنا أن نتخيل وضع العابرين/ات في هذا الوضع المعلق وهم مضطرين إلى شرح وضعهم/ن وهم في حاجة للحصول على عمل أو تأجير مسكن أو احتياجهم لعمل توكيل محاماة لإنجاز بعض الاجراءات القانونية أو مطالبتهم/ن بحقهم في الميراث أو حتى تجديد أوراقهم الثبوتية.. فهم في نظر الدولة المصرية مواطنين/ات مع إيقاف التنفيذ حتى إِشعار آخر!

[1] من قصة “تشارلي ومصنع الشوكولاته”  1964 للكاتب الإنجليزي رولد دال.

Author

انشر: