اللاجئون من مجتمع الميم عين في مصر آمال وتطلعاتا

 

كتابة: مدثر محمد الطيب علي

يواجه المثليين/ات ومزدوجي التوجه الجنسي والعابرين/ات جنسياً (ميم عين) الذين اضطروا للهرب من بُلدانهم والقدوم إلى مصر صعوبات متعددة ، ومع ازدياد عدد اللاجئين في الآونة الأخيرة في البلاد نجد هذه الفئة المهمة من مجتمع الميم عين، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن مصر تحتضن أكثر من 270,000 لاجئ من 65 دولة مختلفة اغلبيتهم من سوريا ثم السودان وجنوب السودان وارتريا واثيوبيا ثم اليمن  والصومال  هؤلاء الأشخاص اضطروا للفرار من بلدانهم لأسباب متعددة كالنزاعات والحروب والعنف أو خطر التغير المناخي وآخرين هربوا من بلدانهم لمجرد اختلاف توجهاتهم الجنسية والجندرية عن المجتمع ونتيجة لذلك تعرضوا للتعذيب ومحاولات القتل في بلدانهم الأم، يوفر مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر خدمات الحماية وذلك بالشراكة مع بعض المنظمات في مصر، الخدمات تشمل الرعاية الصحية والحماية القانونية والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي وحماية الطفل والحماية من الاحتجاز والترحيل. يمكن لكل شخص عبر الحدود المصرية  التقدم لدى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للحصول على صفة ملتمس لجوء وبمجرد التقديم والتدقيق في معلومات الشخص المتقدم يتم إصدار ما يعرف بالبطاقة الصفراء يمكن للشخص التقدم بهذه البطاقة للحصول علي إقامة قابلة للتجديد  من السلطات المصرية، بعد فترة تقوم المفوضية بإجراء ما يعرف بمقابلة تحديد وضع اللاجئ لتقييم مدى استحقاقه صفة اللجوء كما تحرص المفوضية على تزويد الأشخاص محل اهتمامها بالمعلومات من خلال كُتيب يتم تحديثه باستمرار لضمان وصول الأشخاص للخدمات.  يعيش اللاجئون وطالبو اللجوء في بيئة متمدنة في مصر، يتركزون إلى حد كبير في القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط وعدة مدن في الساحل الشمالي. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، زادت الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر بشكل كبير من احتياج اللاجئين عموماً وأفراد مجتمع الميم بشكل خاص والمجتمع المُضيف. ومع افتقار العديد من اللاجئين إلى مصدر دخل ثابت إلى جانب زيادة التضخم، تتم تلبية الاحتياجات الأساسية بالكاد. التحديات الأخرى تشمل فرص معيشة محدودة وحاجز اللغة والثقافة الذي يواجه اللاجئين غير الناطقين باللغة العربية والقادمين من دول مختلفة ثقافياً عن مصر. كما يفتقر البعض الوصول إلى التعليم الرسمي المستدام الذي يمكن أن يدعم تطورهم واندماجهم وبعض الصعوبات الاجتماعية والتحديات المتعلقة بالسلامة والحماية  وبالإضافة إلى ذلك، يعتمد عدد كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية وتقديم الدعم الطبي أو النفسي – الاجتماعي الذي صار الحاجة إليه مُلحاً في الآونة الأخيرة لتراكم وصعوبة التحديات التي تواجه مجتمع الميم عين في مصر المتمثلة في العقبات  القانونية والاجتماعية التي لا يواجها غيرهم من المغايرين جنسيا.

 وعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني واضح يجرم العلاقات المثلية إلا أن السلطات تستخدم مواداً قانونية غير واضحة لملاحقة المثليين مثل ما يعرف بقانون الفسق والفجور، ويواجه الأشخاص من مجتمع الميم عين في مصر وصمة عار بين السكان  ووفقًا لمسح أجراه مركز بيو الأمريكي  للدراسات سنة 2013، عبَر 95% من المجتمع المصري عن رفضه الشديد للمثليين والمثلية بينما قال 3% فقط انهم يتقبلون المثلية الجنسية، وبالنظر لهذه الأرقام يتبين لنا وبشكل واضح الصعوبات المتوقعة للاجئين من مجتمع الميم عين في مصر . وبالنظر إلى تجارب الاشخاص الذين خاضوا تجربة النزوح القسري بشكل عام  نجد دائماً اشخاصاً فاعلين ونشطين يسعون لمساعدة مجتمعاتهم يظهر هذا بشكل واضح من خلال المبادرات المجتمعية للاجئين التي يتم من خلالها تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفير المساحة الآمنة للأشخاص وتشكيل دوائر امنة لهم وذلك بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لطالما اعتمد اللاجئون على إلهام بعضهم لذلك نجد وبشكل واضح أن هذا المجتمع يتميز بالتكاتف والاتحاد ومساعدة بعضهم من خلال هذه المبادرات أو يمكن تحقيق كل ذلك بشكل فردي فقط ومن ضمن هذه الجمعيات الفاعلة في مجتمع الميم عين (جمعية القوس) التي أسسها عدداً من الأفراد الذين اضطروا للفرار من بلدانهم بسب ميولهم الجنسي او هويتهم الجندرية وتهتم الجمعية اساساً بالدعم والتوجيه والمشورة والاحالة للأشخاص المعرضين لسوء المعاملة وتقليل  المخاطر التي تهدد حياتهم او حريتهم وذلك من خلال نشاطات متعددة تقوم بها، تركز جمعية القوس على محور التوعية بالصحة الجنسية وإنشاء جلسات للمتعايشين بفيروس نقص المناعة المكتسبة يقول الأمين العام لهذه الجمعية (م.ع) “أنهم مستمرون في إلهام مجتمعهم وأوضح انهم يتبعون نهجاً قائماً علي المبادئ الإنسانية بالتركيز على مبدأ المساواة مشيراً الي الترحيب بجميع اللاجئين بما في ذلك المغايرين جنسياً لتقديم الخدمات والتوعية.”

 لكن ما يزال مجتمع الميم عين بحاجة الي مجهودات اكبر من المفوضية العليا السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات والهيئات ذات الصلة لتحقيق التقارب والمساعدة علي ايجاد الحل الدائم لهم خاصة انهم يعملون بتفان للعيش والبقاء بشكل آمن، ومن الملاحظ ان اللاجئين المثليين/ات في مصر يتمتعون بقدر عال جداً من الحذر والتقييد  في محاولة يائسة لتحقيق الاندماج المجتمعي والعمل علي عدم كسر تلك الحدود المجتمعية بشكل علني وذلك تطبيقاً للقيم المتعلقة باحترام المجتمع وحتي لا يدخلوا انفسهم في مواجهة مع السلطات والمجتمع المضيف وهذا من اكثر الاشياء المهمة التي يعمد هؤلاء لإتباعها، وبالنظر لهذا القدر من الالتزام يظهر بوضوح تأثيراته الشخصية السالبة علي المدي القريب والمتوسط  والمتمثل في العيش بهوية مزيفة ودرجة عالية من حالات الاكتئاب التي تصيب أعضاء مجتمع الميم عين وهو ما يضع المنظمات والمؤسسات في مسؤوليات مضاعفة لمساعدتهم علي تجاوز هذه المشكلات ،ولا يمكننا التغافل عن حالات الاعتداء الجنسي الذي يتعرض له الافراد من مجتمع الميم خصوصاً اللاجئين الذين يتم استغلالهم عبر تطبيقات المواعدة الخاص بمجتمع الميم عين كجرايندر ومن المعروف ان هذه التطبيقات غير امنة علي الكل ونتيجة لعدم معرفتهم بمكامن الخطر في تلك التطبيقات يقع اللاجئون ضحية الاستغلال الجنسي ويحدث شهرياً عشرات من حالات الاعتداء التي يتم الإبلاغ عنها في المنظمات ذات الصلة، ومع تنامي هذه المشكلات الصعبة والخطرة قام عدداً من الافراد الناشطين في منظمات حقوق مجتمعات الميم عين الي القيام بحملات توعية يهدفون عبرها  الي تحقيق التوعية للمجتمع حول السلامة الشخصية والرقمية وتحقيق اقصي قدر من الحماية الذاتية ، وامتد هذا النشاط ليشمل المبادرات والجمعيات الصغيرة والناشئة .

 وعلي الرغم من المبادرات الفردية والجماعية وحماس اللاجئين من مجتمع الميم لتحقيق السلامة والاستقرار لمجتمعاتهم لكنهم دائماً يدورون في اطار مفرغ ويجدون استمرار تلك التحديات التي يعتبرونها فوق طاقتهم وهنا يأتي الحاجة للتفكير في  تحقيق الحل الدائم لهم بواسطة المفوضية السامية للأمم المتحدة  لشؤون اللاجئين(UNHCR) او العمل علي ما يعرف بالمسارات التكميلية التي تعني كل المجهودات التي يبذلها اللاجئ للخروج بطريقته الخاصة وبشكل لا ينطوي علي مخاطر  الي مكان اكثر اماناً، وقدرة اللاجئ علي مساعدة نفسه في المقام الاول. وتبذل المنظمة مجهودات مقدرة في الحلول الدائمة ويتم اعادة توطين الأفراد المعرضين للخطر الشديد المهدد للحياة، وتُعرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين  إعادة التوطين بأنها عملية نقل اللاجئين من دولة اللجوء إلى بلدٍ آخر يوافق على السماح لهم بالدخول، ويمنحهم الإقامة الدائمة في النهاية. وعلى الرغم من وجود هذا الخيار لدى المفوضية الا ان اجراءات الاحالة للنظر في اعادة التوطين تمر بمراحل وتعقيدات صعبة  وتأخذ وقتاً طويلاً ويشتكي لاجئون كُثر من بطء الإجراءات فضلاً عن قلة الفرص لهذه العملية حيث يتم إعادة توطين نسبة 1% فقط من اللاجئين في العالم وتتبع المفوضية نظام المساواة وعدم التمييز بين الأشخاص المستحقين لإعادة التوطين  لذلك تضع المفوضية شروطاً ومعايير واضحة للوصول لمرحلة إعادة التوطين تتمثل في الآتي:

  • الحصول على وثيقة الاعتراف باللجوء.
  • يجب أن يكون الفرد أكبر من 18عاماً.
  • التعرض للتهديد في بلد اللجوء الثاني أو في حالة التهديد الوشيك.
  • أن يكون الشخص بحاجة للحماية المُلحة ولا تتوفر لديه خيارات الإدماج المحلي.
  • يجب ألا يشكل الشخص خطراً على بلد اللجوء.

بعد توفر هذه الشروط تقوم المفوضية بإحالة ملفات الأشخاص المؤهلين إلى عدد من البلدان، وبمجرد الموافقة على الملف من البلد المعين يتم إخبار صاحب الملف وإحالته إلى المنظمة الدولية للهجرة IOM لإكمال إجراءات السفر إلى بلد اللجوء الثالث.
 وما يزال مطالبات الكثير من الجهات  والجمعيات قائم لتحقيق التمييز الإيجابي لمجتمع الميم عين واعطائهم الاولوية في خيار إعادة التوطين نظراً للوضعية الخاصة التي يعيشها الأفراد من هذا المجتمع والصعوبات والتحديات والمخاطر التي تفوق قدراتهم . كما أن مطالبات المفوضية  للدول لا تزال مستمرة لزيادة أعداد اللاجئين الذين يتم قبولهم بواسطة اعادة التوطين، وتعتبر كندا من أكثر الدول ترحيباً باللاجئين من مجتمع الميم عين وقد انشأت وزارة الهجرة الكندية شراكات مع جمعية (Rainbow Refugee) التي تعنى بمساعدة اللاجئين للوصول الى كندا وتقليل الإجراءات المعقدة للهجرة ، كما تنشط منظمة (Rainbow Railroad) والتي تهتم بمساعدة الأفراد من مجتمع الميم المعرضين لمخاطر تهدد حياتهم في البلدان غير الآمنة في الوصول الى مكان أكثر امناً بالإضافة إلى أن المنظمة تنشط في تصميم البرامج المبتكرة لتحقيق الاستقرار والتمكين للاجئين الذين وصلوا بالفعل إلى كندا. وعلى الرغم من وجود هذه البرامج وغيرها التي تساعد اللاجئين إلا أن العقبات تحول دون وصول اغلبهم الى تلك القنوات بالتالي يضطر الكثيرين إلى انتظار إجراءات إعادة التوطين من ال(UNHCR) والتي تستغرق شهوراً طويلة وسنوات .
اللاجئون/ت المثليون/ات في مصر وضعيتهم في غاية التعقيد وعلى الرغم من كل ذلك يضربون مثالاً للعزيمة وعدم الاستسلام كما أنهم يستمرون في إلهام كل الناس بما في ذلك المجتمع المصري المضيف وخير مثال على ذلك نشاط الجمعيات والمبادرات، وعلى الرغم من ذلك يتعين على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين اتخاذ مزيد من التدابير لحمايتهم من التعرض للمخاطر ومضاعفة الجهود لإيجاد الحلول الدائمة لهم ومنح مزيد من المقاعد لأفراد مجتمع الميم عين كما أنه من الضروري إزالة القيود التي تحول دون وصولهم إلى المسارات التكميلية. وللمنظمات الدولية الأخرى دور مهم في الضغط على الدول لاتخاذ التدابير اللازمة لزيادة فرص إعادة التوطين والضغط على المنظمة الأممية الراعية للاجئين بإعطاء أفراد مجتمع الميم امتياز الوصول للحلول الدائمة حتى لا يتعرضوا للمخاطر التي تلاحقهم في البلدان الثانية.