Search
Close this search box.

|

القتل المبني على النوع الاجتماعي في المجتمع المصري: الدوافع.. المؤشرات والتوصيات

أمام التواتر الدوري لظاهرة القتل المبني على النوع الاجتماعي في الآونة الأخيرة في المجتمع المصري، فالبيانات تظهر مدى توغل الظاهرة إذ تم رصد ما يقرب من 51 حالة قتل لنساء مصر خلال الربع الأول فقط من عام 2023، لكن لا تزال الجرائم التي تستهدف النساء ظاهرة لا تحظى بالاهتمام الحقيقي، يعود هذا التجاهل إلى عدد من الأسباب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وانطلاقًا من هذا،  لذا تناقش هذه الورقة تحليل مفهوم القتل المبني على النوع الاجتماعي الذي يثير التساؤلات حول ماهية ظاهرة قتل الإناث، وكيف نحلل ظاهرة القتل المبني على النوع الاجتماعي عبر دراسة محددات الظاهرة في المجتمع المصري وكيف يتصدى القانون المصري لتلك الظاهرة؟، وما الإجراءات والسياسات أمام الدولة المصرية لتتمكن من مجابهتها؟.

 المقدمة:

عرفته الأمم المتحدة أنه الظاهرة الأكثر تطرفاً ووحشية من أشكال العنف التي تتعرض لها النساء، ومن ثم وضع المجتمع الدولي لنفسه هدف القضاء على هذه الظاهرة التي تمس جميع الدول بمختلف معتقداتها الثقافية والاجتماعية، رغم الصعوبة التي تواجه تحديد جرائم القتل المبني على النوع الاجتماعي وقياسها بشكل صحيح. وفي هذا الصدد، يمكن تعريف ظاهرة القتل المبني على النوع الاجتماعي على أنه القتل العمد للنساء لكونهن إناث وغالبًا ما يكون على يد رجال الأسرة، وفي هذا السياق تتخذ جرائم  قتل النساء أشكالًا مختلفة، بما في ذلك القتل العمد والقتل غير العمد والقتل الخطأ، والتحيز الجنسي وقتل الشريك الحميم والعنف الجنسي، يأتي هذا بجانب قتل النساء والفتيات باسم “الشرف”، واستهداف النساء والفتيات في سياق الصراع المسلح؛ والقتل بسبب ميولهن وهويتهن الجنسي، والوفيات المرتبطة بتشويه الأعضاء التناسلية،  يأتي في مقدمتها قتل النساء نتيجة عنف الشريك الحميم، وتعذيب النساء، وقتل النساء والفتيات باسم الشرف.

ورغم أن تاريخ مصطلح “قتل الإناث” يعود إلى أواخر القرن الـ 19، عندما تمت صياغته لزيادة الوعي بوفيات النساء بسبب العنف؛ حيث أشار إلى قتل الإناث من قبل الذكور لأنهم إناث، ثم تم تحديث المفهوم في عام 1992، على أنه “قتل النساء على يد الرجال بدافع الكراهية أو الازدراء أو المتعة أو الشعور بملكية المرأة، المتجذر في علاقات القوة غير المتكافئة تاريخيًا بين النساء والرجال، إلا أن المجتمع المصري لم يلتفت إليها ولم يضعها نصب الاهتمام رغم تزايد أعداد ضحاياها يوما بعد يوم.

دوافع قتل النساء في مصر:

اعتبرت جريمة قتل الطالبة المصرية “نيرة أشرف” على يد زميلها لرفضها الارتباط به،  الشرارة التي سلطت الضوء على وحشية جرائم قتل النساء في مصر العام الماضي، خاصة وأن القاتل مثلما هو الحال في كثير من جرائم قتل النساء إما من أسرة الضحية أو من معارفها المقربين، بيد أن  جرائم قتل النساء المشابهة تتصدر في العادة عناوين الصحف في مصر لفترة قصيرة فقط، وغالبًا ما يضع المجتمع مثل هذه الجرائم جانبًا باعتبارها أمورًا خاصة، رغم أنه عقب أربع وعشرين ساعة فقط من قتل نيرة أشرف، تم الإبلاغ عن جريمتي قتل امرأتين أخريين من قِبَل أشقائها ليتبعها عشرات الحالات في مختلف بقاع مصر.

 يأتي المبرر السابق بجانب مبرر أكثر بشاعة وهو قضايا القتل باسم الشرف التي تتعرض لها المرأة في مصر وخاصة فى بعض المناطق النائية بصعيد مصر، إذ تقع النساء والفتيات قتيلات لمجرد الشك فقط في سلوكهن مع عدم وجود دليل قاطع، حيث تتعرض المرأة للقتل أو الذبح أو الإجبار على الانتحار باسم الشرف، والقاتل فى هذا النوع من الجرائم يكون أحد الأقارب وغالباً ما يتم التساهل معه تكريساً للموروثات الثقافية والاجتماعية، بل قد تمارس هذه الجريمة على الفتيات اللاتي تعرضن لاغتصاب على يد ذويهم من أفراد الأسرة، والتستر على هذا الجرم، يقوم الجاني بقتلها بعد الترويج لسوء سلوكها كمبررات قتلها، وادعاءه الحفاظ على شرف وسمعة العائلة.

إحصائيات قتل النساء في مصر:

ورغم خطورة حياة النساء في مصر، إلا أنه من الصعب الحصول على أرقام رسمية دقيقة حول عدد النساء اللواتي يتم قتلهن في مصر، غير أنه وفقًا لإحصائيات مؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي فخلال الربع الأول فقط من عام 2023 تم رصد 51 حالة قتل لإناث مصر بالاعتماد على ما نشر في الصحف المصرية وهو عدد أقل من الواقع الفعلي بكثير إذ لا يتم تصنيف ونشر كل جرائم قتل الإناث باعتبارها جرائم قائمة على النوع الاجتماعي وتشير النتائج إلى أن %21,6 من النساء أو الفتيات ضحايا القتل كانت أعمارهن تتراوح ما بين 30-21 سنة، وأن %11,8 كانت أعمارهن تتراوح ما بين 20-11 سنة، إذ شهدت محافظة الجيزة أعلى معدلات قتل للنساء والفتيات خلال الربع  الأول من عام 2023 بنسبة%31,3 يليها محافظة القاهرة بنسبة ،%12 ثم محافظة سوهاج بنسبة %8.

المفزع في الأمر أنه بمقارنة تلك النسبة بما تم رصده خلال الربع الأول من العام الماضي  عام 2022  نجد أن الضحايا من النساء بلغن 25 حالة، بإجمالي 142 حالة قتل للنساء  خلال هذا العام، 58% من القتلى من النساء قتلن على يد أزواجهن في مقابل 41% على يد أفراد الأسرة، يبرز هذا تضاعف خطير في معدلات ظاهرة قتل الإناث في المجتمع المصري.

جهود الدولة المصرية في مواجهة الظاهرة:

بالنظر إلى القانون المصري وموقفه من جرائم قتل الإناث وبخاصة قانون العقوبات نجد أن هناك ثغرات  في بعض مواد القانون تمثل خطرًا مباشرًا على معدلات قتل الإناث في المجتمع المصري خاصة في جرائم الشرف، فعلي سبيل المثال في جريمة الزنا والتي من المفترض أنها جريمة أخلاقية يعاقب فيها الرجل شرعاً مثله مثل المرأة، لا يطبق هذا القانون المصري إذا قامت الزوجة بقتله تحت الضغط النفسي تعاقب بالإعدام أو بأقل تقدير بالأشغال الشاقة، بينما تعاقب الزوجة على الزنا أياً كان مكان ارتكابه، وفي حال قتل الزوجة متلبسة بالزنا يعاقب الزوج بأخف العقوبات والتي قد تصل إلى إيقاف التنفيذ، ففي المادة 17 من قانون العقوبات والتي تبيح للقاضي استخدام مبدأ الرأفة مع المتهم، وهو ما يساعد في انتشار ظاهرة قتل الإناث تحت مسمى قضايا الشرف.

الحلول المطروحة لمواجهة ظاهرة قتل الإناث:

غالبًا ما يكون قتل المرأة في المجتمع المصري على يد شريكها تتويجًا لعنف طويل الأمد ويمكن منعه بسهولة من خلال تكثيف المؤسسات المحلية والدولية جهودها لمساعدة وحماية النساء اللائي يقعن ضحية لهذا النوع من العنف. ومن ثم تحتاج النساء في المجتمع المصري إلى سلسلة مترابطة من الإجراءات لضمان حمايتهن ووقايتهن من مثل تلك الجرائم تتمثل في:

1- اتخاذ تدابير محددة لتمكين المرأة من ترك علاقة عنيفة أو التصدي لها: يجب أن تأخذ هذه التدابير في الاعتبار حقيقة أن النساء غالبًا ما يعتمدن اقتصاديًا على شريكهن الحميم، وبالتالي يتعرضن لخطر الحرمان من مصدر دعمهن الاقتصادي الوحيد إذا أنهوا علاقة غير صحية، لذا تلعب خدمات الدعم المتخصصة للنساء التي يقدمها المجلس القومي لحقوق المرأة دورًا هامًا في حماية النساء، بما في ذلك الملاجئ وأوامر الحماية والمشورة والمساعدة القانونية ، لمساعدة النساء على ترك العلاقات المؤذية.

2- إشراك الرجال في المجتمع المصري في مكافحة عنف جرائم القتل المتصل بالأسرة يعد هذا جانب محوري في الوقوف ضد جرائم قتل الإناث من خلال تطوير معايير ثقافية تبتعد عن الذكورة العنيفة والقوالب النمطية الجنسانية، من أجل معالجة الأعراف الاجتماعية التمييزية الأساسية التي تضفي الشرعية على سلطة الرجل واستخدامه للعنف ضد المرأة.

3- احتواء البيئة العنيفة الحاضنة لجرائم قتل الإناث: لكون خطر تأثر النساء بالعنف الشديد القائم على النوع الاجتماعي يزداد بسبب الموروثات الثقافية ما يستوجب تضمين خطط العمل الوطنية في الدولة المصرية تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن أحكامًا محددة بشأن عمليات القتل المرتبطة بنوع الجنس في أقسام تغطي الوقاية والحماية.

 4- تطوير أسلوب معياري ومستدام دوليًا لرصد عدد الضحايا: بسبب أن البيانات الموحدة بشأن جرائم قتل النساء والفتيات ذات الصلة بنوع الجنس لا تزال غير مكتملة وذات جودة غير كافية لتمكين رصد الاتجاهات وفهم حجم المشكلة، ما يستلزم تأسيس معيار لقياس العنف الحقيقي ضد النساء في المجتمع المصري، وتسجيل الخصائص الجنسانية للضحايا والجناة، وبالتالي يمكن أن يُضيف قيمة إلى البيانات التي تم جمعها، مما يسمح بإجراء تحليلاً أكثر شمولاً وتعمقًا لظاهرة قتل النساء في مصر، فضلاً عن نظام قابل للمقارنة لجمع البيانات عبر البلدان لعمليات قتل النساء والفتيات المرتبطة بنوع الجنس.

ومحصلة القول أن التصدي الحقيقي لجرائم قتل النساء في المجتمع المصري من خلال السياسات الجيدة للدولة المصرية المبني على بيانات عالية الجودة تستند إلى تعريف متفق عليها وواضح ووحدات قياس ومؤشرات مشتركة عالميًا لحماية الضحايا المحتملين للعنف القائم على النوع الاجتماعي في المجتمع المصري، لذا توصي هذه الورقة بعد عرض عدد من البدائل للحد من قتل النساء إلى وجود إحصاء شامل ودقيق لظاهرة قتل الإناث في المجتمع المصري، لأن وجود بيانات موحدة محليًا ودوليًا بشكل متسق ومتاح لكافة المواطنين يكفل فهم حجم المشكلة وقياس العنف الحقيقي ضد النساء، وهو الخطوة الأولى والأهم نحو منع قتل الإناث وحماية ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في المجتمع المصري.

 قائمة المراجع:

  1. تقرير ربع سنوي” قتلن لأنهن نساء”، مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، 15/52023، متاح على الرابط التالي:  https://tadwein.org/%d8%b1%d8%b5%d8%af-%d9%88%d8%
  2. Global study on homicide gender-related killing of women and girls, UNITED NATIONS OFFICE ON DRUGS AND CRIME, 2019, Available at: https://www.unodc.org/documents/data-and-analysis/gsh/Booklet_5.pdf
  3.  فاطمة فتوني، قتل النساء: عدوى إجرامية في العالم العربي؟، الميادين نت، 28/6/2022، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/PDim7
  4.   Shannan Catalano, Female Victims of Violence, U.S. Department of Justice Office of Justice Programs, 23/10/2009, Available at:
https://bjs.ojp.gov/content/pub/pdf/fvv.pdf
  1. باسم فرنسيس، جرائم كردستان تلقي ضوءًا مؤلما على ثقافة قتل النساء، اندبندنت العربية، 9/5/2022، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/jvZ7U
  2. Pauline Turuban, Why counting femicides is a global issue, SWI: swissinfo, 24\3\2022, Available at: https://www.swissinfo.ch/eng/why-counting-femicides-is-a-global-issue/47456654
  3. Maurice Dunaiski , Killings of women and girls by their intimate partner or other family members: Global estimates 2020: the Research and Trend Analysis Branch: UNODC, 2021, Available at:https://www.unodc.org/documents/data-and-analysis/statistics/crime/UN_BriefFem_251121.pdf
  4. شيماء حمدي، ضحايا العنف والابتزاز: لن تكون نيرة أشرف الأخيرة!، موقع درج، 20/7/2022، متاح على الرابط التالي:https://daraj.com/93194/
  5. مي المغربي، قتل النساء من مصر إلى الأردن: سيكولوجية الرفض والذكورة السامّة، جريدة الأخبار، 29/6/2022، متاح على الرابط التالي:https://cutt.us/pfu6D
  6. كريم الجوهري، كلمات لا يُلقَى لها بالٌ تشجع على قتل النساء،  موقع قنطرة، 5/7/2022، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/Rnu7S
  7.  عفاف الحاجي، الأزواج في الصدارة: إحصائيات صادمة حول جرائم قتل النساء في الوطن العربي، عربي بوست، 28/6/2022، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/z5bCX
  8. Defining and identifying femicide: a literature review, European Institute for Gender Equality, 23\11\2021, , Available at: https://eige.europa.eu/publications/defining-and-identifying-femicide-literature-review
  9. Lucy Gilder, How many violent attacks and sexual assaults on women are there?, BBC News, 30\6\2022, Available at:
https://www.bbc.com/news/explainers-56365412
  1. أحمد عقل، جرائم قتل النساء تتكرر في دول عربية: وحلول تصطدم بحواجز القانون والمجتمع، قناة الحرة، 1/7/2022، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/ovjQp
  2. توصيات باتخاذ إجراءات من أجل مكافحة جرائم قتل النساء والفتيات بدافع جنساني، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2015، ص 1- 16،  متاح على الرابط التالي:
https://www.unodc.org/documents/justice-and-prison-reform/V1507883_A.pdf

Author

  • غدي قنديل

    باحثة دكتوراه في العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة

    View all posts
انشر: