في حكم صدر مؤخرًا في مايو 2023، رفضت محكمة بحرينية ابتدائية، مستشهدة بالشريعة الإسلامية، طلبًا مقدمًا من عابر جنسيًا للحصول على اعتراف قانوني بجنسه والحصول على رعاية صحية مؤكدة لجندره.
طلب المدعي الحصول على موافقة قضائية للخضوع لرعاية صحية تؤكد جندره والحصول على الاعتراف القانوني بجندره بعد ذلك. وطلب فحصه من قِبل لجنة طبية من وزارة الصحة لتحديد مدى ضرورة الخضوع للرعاية الصحية المؤكدة للجنس لعلاج اضطراب الهوية الجنسية لديه. قدم المدعي وثائق طبية من البحرين وخارجها تثبت أنه قد تم تشخيص إصابته باضطراب الهوية الجنسية وأظهر باستمرار بصفته ذكرًا في مختلف المواقف الاجتماعية مع تفضيله لتقديم نفسه كذكر. لذلك، قرر طلب الخضوع لرعاية صحية مؤكدة للجندر وحاول الحصول على اعتراف قانوني بالجندر للتخفيف من معاناته النفسية ومواءمة هويته الجنسية مع وثائقه القانونية ومظهره الجسدي.
وشددت المحكمة خلال نظرها على أنه في حالة عدم وجود حكم قانوني إيجابي بشأن مسألة “تغيير الجنس”، فإنها ملزمة بالنظر في القضية من منظور المبادئ القانونية المستمدة من محكمة التمييز البحرينية والشريعة الإسلامية. هذا وإنه لقد أتيحت لمحكمة التمييز البحرينية بالفعل الفرصة لدراسة هذه القضية وصياغة المبادئ القانونية الأساسية المستندة إلى الشريعة الإسلامية. تعكس هذه المبادئ وجهة نظر علماء السنة حول “التغيير الجنسي” كما تم تقديمها في الثمانينات من خلال الفتاوى المختلفة الصادرة بواسطة مشيخة الأزهر المصري ومجمع الفقه الإسلامي السعودي. وتناولت هذه الفتاوى المعايير التي يجب أن تتوفر في الفرد الذي يسعى لإجراءات طبية تؤدي إلى “تغيير الجنس”. يحرم الفقه الإسلامي بشكل قاطع تغيير خلق الله دون ضرورة؛ ومن هنا سعى علماء الإسلام إلى تحديد الشروط الطبية التي يمكن اعتبارها ضرورة لإعفاء الأفراد من تحريم تغيير خلق الله.
وقد طور علماء الفقه ليشمل حالتين طبيتين يجب مراعاتهما في العلاج الطبي “لتغيير الجنس”: النفسي، أي اضطراب الهوية الجنسية، والبيولوجي، أي ثنائية الجنس (الانترسكس). وأجمع العلماء على أنه لا ينبغي السماح للأفراد العابرين/ات جنسيًا بالحصول على رعاية صحية تؤكد جندرهم، لأن ذلك يستلزم “الانتقال من وضع صحيح إلى وضع خاطئ”، في إشارة إلى أن حالتهم نفسية فقط، بيولوجيًا هم يقعون ضمن الثنائية المعيارية الجندرية. وفي الوقت نفسه، لا ينبغي السماح للأفراد ثنائيي الجنس فحسب، بل يجب أيضًا تشجيعهم على الخضوع لعلاجات “تغيير الجنس” من أجل “تصحيح وضعهم ومواءمته ضمن الثنائية المعيارية الجندرية.” وهكذا، تلتزم محكمة التمييز البحرينية بمبادئ الفقه مع قرارها أنه لا ينبغي منح الأفراد العابرين/ات جنسيًا القانوني بالجندر نظرًا لاعتبار عبورهم انتهاكًا للشريعة الإسلامية ويُنظر إليه على أنه “تعطيل للحالة البيولوجية الطبيعية.” ومن ثم، تعترف المحكمة بالحاجة إلى الاعتراف القانوني بالجندر للأفراد ثنائيي الجنس (الانترسكس) باعتباره وسيلة “لتصحيح” حالتهم البيولوجية دون تغييرها، وبالتالي لا تتعارض مع تحريم تغيير خلق الله.
بعد إثبات وجهة نظر الشريعة الإسلامية ومحكمة التمييز البحرينية بشأن الاعتراف القانوني بالجندر، شرعت المحكمة في فحص الوضع البيولوجي للمدعي من خلال تحليل الملامح الهرمونية، والأدلة الكروموسومية، والخصائص الجسدية، بهدف تحديد ما إذا كان المدعي من ثنائيي الجنس (الانترسكس) أو عابر جنسيًا. وكشف التحقيق أن المدعي أنثى بيولوجيًا ويفتقر إلى أي خصائص تدل على صفات ثنائيي الجنس (الانترسكس). وبالتالي، توصلت المحكمة إلى استنتاج مفاده أن المدعي يعرف نفسه على أنه شخص عابر جنسيًا يعاني من اضطراب الهوية الجنسية ويرغب في الخضوع لإجراءات جراحية نتيجة لذلك. على الرغم من أن البحث عن علاجات هرمونية وجراحية لاضطراب الهوية الجنسية لا يُجرم في البحرين، فقد قررت المحكمة أن وجود اضطراب الهوية الجنسية فقط لا يشكل أساسًا لـ “تغيير جنسي” كامل لأنه يتناقض مع الشريعة الإسلامية والمبادئ القانونية التي وضعها القانون البحريني ومحكمة التمييز البحرينية.
ويبرز موقف المحكمة في هذه القضية إحدى المواقف المتناقضة للقضاء البحريني. في حين أن تجريم العبور الجنسي أو المثلية الجنسية بشكل عام غير موجود في المملكة، يواجه الأفراد العابرين/ات جنسيًا في البحرين قيودًا عديدة عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى حقوق الإنسان الأساسية. تستند هذه القيود إلى تفسيرات للشريعة الإسلامية بدلاً من أخذ آراء طبية أو قانونية بعين الاعتبار، مما يقوض حقوق الإنسان الدستورية للمواطنين البحرينيين العابرين/ات جنسيًا. بالإضافة إلى ذلك، تكشف حالات العابرين/ات جنسيًا في البحرين عن الانقسام بين الدولة والمعتقدات الدينية للسكان. على الرغم من أن 65-75% من السكان هم من الشيعة تتبع البحرين الإسلام السني حصراً بسبب الانتماء السني للعائلة المالكة. في المقابل، تعتمد بلدان أخرى ذات أعداد كبيرة من السكان الشيعة، مثل لبنان والعراق، على الفقه الشيعي كمرجع للسكان الشيعة في المسائل المدنية.
لكن هذا ليس هو الحال في البحرين، حيث تتبع القوانين والآراء القضائية الفقه السني للعائلة المالكة، بغض النظر عن المنظور الشيعي. تقدم الحالة المعروضة دليلاً على هذا التقسيم، لا سيما فيما يتعلق بمعالجة اضطراب الهوية الجنسية والرعاية الصحية المؤكدة للجندر. وكما ذكرنا سابقًا، يرفض السنة الرعاية الصحية التي تؤكد النوع الاجتماعي للأفراد العابرين/ات جنسيًا. في نفس الوقت، يعترف علماء الشيعة بأن اضطراب الهوية الجنسية يمكن اعتباره ضرورة طبية للخضوع للرعاية الصحية المؤكدة للجنس. حيث أن ذلك يوفر استثناءً من الحظر المفروض على تغيير خلق الله ولكن بشرط حصول الشخص العابر جنسيًا بشكل صحيح على الدور الجنسي الاجتماعي والديني لجنسه المكتسب. وبناءً على ذلك، طورت إيران المجاورة نظامًا فريدًا ولكنه معيب لتمكين الأفراد العابرين ات جنسيًا من العبور بالإضافة إلى تمكين الوصول إلى الرعاية الصحية المؤكدة للجندر على أساس النوع الاجتماعي والاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي للسماح لهم وإجبارهم في بعض الأحيان على التوافق مع الثنائية الاجتماعية والدينية وتجنب الاضطراب من خلال إنكار هذين الجانبين.
على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان المدعي، في هذه القضية، سنيًا أم شيعيًا، فإن حقيقة أن محكمة التمييز البحرينية تعتمد فقط في قواعدها بشأن الرعاية الصحية المؤكدة للجندر والاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي على الفقه السني دون الاعتراف بالسكان الشيعة المهيمنين ومجتمعاتهم. اختلاف الفقه في هذا الشأن يكشف عن تهميش السكان الشيعة من قبل القضاء البحريني. هذا التهميش له آثار كبيرة على حياة الأفراد العابرين/ات جنسيًا الشيعة في البحرين.
في حين أنه سيكون من الأفضل التعامل مع قضايا العابرين/ات جنسيًا من منظور قانوني وطبي بحت، إلا أنه من الصعب تصور مثل هذا النهج في البحرين والدول المجاورة في الخليج. حيث أن الشريعة الإسلامية السنية هي مصدر العديد من قوانين وسياسات البلاد المتعلقة بالعابرين/ات جنسيًا.