Search
Close this search box.

|

 المحكمة الإدارية العليا بمصر: قيام الفرد بأعمال جنسية مثلية يُعَدُّ سبباً كافياً لعزله من وظيفته في القطاع العام

صدر حكم مؤخرًا في يوليو 2023، عن المحكمة الإدارية العليا في مصر، وهي أعلى محكمة في نظام المحاكم الإدارية في مصر، مؤيدة قرارًا من محكمة أدنى درجة يقضي بأن الاشتباه في الانخراط في أنشطة متعلقة بالمثلية الجنسية يستوجب الفصل من الوظيفة العامة.

وتتعلق القضية بموظف في ماسبيرو، هيئة الإذاعة والتلفزيون المصرية العامة، الذي اتهمته زوجته السابقة بالمشاركة في أعمال جنسية مثلية. وأدى هذا الادعاء إلى إيقافه عن العمل وعرضه على ذمة التحقيق. وفي يوليو 2021، طلبت هيئة النيابة الإدارية في مصر فصله من الوظيفة العامة، بدعوى تورط الموظف في أفعال مثلية اعتبرتها النيابة غير مناسبة لموظف عام. وأكدوا أن هذا الفعل يشكل انتهاكًا لمسؤولياته المهنية وعلى إثر ذلك أحالوا القضية إلى المحكمة التأديبية لإصدار الحكم.

وكان الدليل الأولي الذي قدمته النيابة هو مقطع فيديو مدته دقيقة و17 ثانية قدمته الزوجة السابقة، يصور الموظف في حالة عري أثناء إدخال زجاجة صغيرة في فتحة الشرج. واستعانت النيابة بخبير الطب الشرعي الذي قرر أن الفيديو حقيقي ولم يتم التلاعب به بأي شكل من الأشكال. ونفى المتهم أي تورط في أنشطة جنسية مثلية وأكد أنه ربما كان تحت تأثير المخدرات أو كان عاجزًا وقت تسجيل الفيديو.

أصدرت المحكمة التأديبية قرارها في يونيو 2023 بإنهاء عمل المتهم على خلفية تورطه في أفعال مثلية. وبررت المحكمة حكمها بالقول إن هذه الأفعال تخالف المادتين 58 و57 من القانون المصري وهو قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016. وتنص المادة 58 على أن “كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبيًا”. ونصت المادة 57 على أنه “على الموظف الالتزام بأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية وغيرها من القوانين والأنظمة والقرارات والتعليمات المنفذة لها. وما يصدر عن الجهاز من قرارات تنظيمية وتعليمات أو نشرات أو كتب دورية في هذا الشأن ومدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص. ويحظر على الموظف بصفة خاصة مباشرة الأعمال التي تتنافى مع الحيدة، والتجرد، والالتزام الوظيفي أثناء ساعات العمل الرسمية، أ ممارسة أي عمل حزبي أو سياسي داخل مكان عمله، أو بمناسبة تأديته لهذا العمل، أو القيام بجمع تبرعات، أو مساهمات لصالح أحزاب سياسية، أو نشر الدعاية أو الترويج لها”.

وتقدم المدعي باستئناف ضد هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا، التي أصدرت حكمها في يوليو 2023. وقام دفاع المدعي بالمرافعة على أساس وجوب نقض الحكم على أساس المبدأ القانوني لثمرة الشجرة السامة لأن أدلة الفيديو حصلت عليها الزوجة السابقة بشكل غير قانوني. وزعموا أيضًا أن المدعي سجل الفيديو دون نية نشره علنًا، مؤكدين أن الزوجة انتهكت حقه في الخصوصية وأنه تم الحصول على الأدلة بشكل غير قانوني.

وقبل النطق بالحكم أحيلت القضية إلى مفوضي الدولة المصرية وهي هيئة قضائية استشارية ضمن نظام المحاكم الإدارية و مكلفة بمساعدة القضاة في البت في القضايا المستعصية من خلال تقديم آراء قضائية موضوعية وتفسيرات قانونية بشأن المسائل التي تفتقر إلى الوضوح القانوني. وأصدرت هيئة مفوضي الدولة تقريرا أوصت فيه بإعادة المدعي إلى منصبه، حيث تم الحصول على الفيديو بطريقة غير مشروعة وتشكل تصرفات الزوجة مخالفة لعدة أحكام في القانون ومنها قانون الجرائم الإلكترونية رقم 175/2018والتي تحمي حق المواطنين في الخصوصية الرقمية.

ورغم التقرير الإيجابي من هيئة مفوضي الدولة، أيدت المحكمة الإدارية العليا الحكم بإنهاء عمل المدعي، مؤكدة وجود أدلة دامغة على تورط المدعي في أفعال مثلية، وأن “إبعاد مثل هذا الموظف عن الجهاز الإداري للدولة أصبح ضرورة لا مفر منها وذلك من أجل الحفاظ على سلامة المنشأة الإدارية بشكل خاص، والمصلحة العامة للدولة بشكل عام”.

ويشكل هذا الحكم سابقة خطيرة من خلال الانحراف عن المبادئ القانونية الراسخة.  يمكن أن يواجه الأفراد الكويريون الملاحقة القضائية في مصر بموجب أحكام قانون مكافحة العمل بالجنس التجاري رقم 10 لسنة 1961 خاصةً المواد المتعلقة بالفجور. فتلك المواد تندرج تحت فئة الجرائم المخلة بالشرف في القانون المصري، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الفصل من الوظيفة العامة أو تحول الموظف إلى شخص غير مؤهل للوظيفة العامة.

ومع ذلك، في هذه القضية بالذات، لم يتم اتهام المدعي بالفجور، وعلاوة على ذلك، لا يوجد دليل يؤكد تورط المدعي في أنشطة جنسية مثلية. يصور مقطع الفيديو المقدم فقط الأنشطة الجنسية الفردية التي قام بها المدعي، وهو ما لا يثبت أنه شارك في أي من هذه الأفعال مع آخرين. علاوة على ذلك، تجاهلت المحكمة حقيقة أن الزوجة السابقة نفسها مسؤولة جنائيًا عن حصولها بشكل غير قانوني على مقطع فيديو خاص لزوجها ونشره. وحتى لو كان المدعي قد أرسل لها الفيديو بشكل سري، فإن ذلك لا يمنحها الحق في نشره علنًا، لأنه لا يزال مصانًا بموجب أحكام الخصوصية المنصوص عليها في قانون الجرائم الإلكترونية.

ومن ثم، فإن هذا الحكم يمثل سابقة مفادها أنه حتى بدون توجيه اتهام رسمي بـ “الفجور”، يمكن فصل الأفراد المشتبه في تورطهم في أفعال جنسية مثلية من المناصب العامة. وقد اكتسب هذا النوع من التفسير القانوني زخمًا لدى القضاء المصري في السنوات الأخيرة.فقد سبق للمحاكم الإدارية في مصر تفسير المادتين 25 و26 من القانون رقم 89 لسنة 1960 في شأن دخول وخروج الأجانب على أنه يجب ترحيل الأفراد المشتبه في تورطهم في أفعال جنسية مثلية أو كونهم مثليين من البلاد، حتى لو لم يتم اتهامهم رسميًا بـ “الفجور” أو حتى لو برأتهم المحكمة من هذه الاتهامات. علاوة على ذلك، أصدرت المحاكم الاقتصادية المصرية تفسيرات للمادة 25 من الجرائم الإلكترونية المتعلقة بانتهاك القيم الأسري وفسرتها على أنها تشمل ممارسة الأفعال الجنسية المثلية.

وبالتالي، فمن الواضح أن هناك اتجاهًا متزايدًا داخل القضاء المصري لإعادة تفسير بنود الأخلاق والنظام العام في القوانين المصرية لاستهداف الأفراد الكويريين أو أولئك الذين يمارسون أفعالًا مثلية بشكل صريح، حتى عندما لا تكون الأدلة كافية لإثبات مثل هذه الأفعال. وهذا ما يجعل الشك وحده سببًا لتطبيق القانون، مما يسلط الضوء على التحيز الاجتماعي والديني المتزايد داخل القضاء المصري ضد الأشخاص الكويريين رغم افتقار هذه التفسيرات إلى أساس قانوني.

Author

انشر: