تقترب مصر من سد ثغرةٍ قانونية تسمح للأفراد العابرين/ات جنسيًا بالحصول على الاعتراف القانوني بالجندر

على ما يبدو أن السلطات المصرية تعمل على إفقام الصعوبات التي يواجهها الأفراد العابرون/ات جندريًا، الذين يواجهون/ن بالفعل حظرًا من الرعاية الصحية المُؤكِّدة للجندر والعقبات المختلفة التي تعترض الحصول على الاعتراف القانوني بالجندر (تغير الأوراق الثبوتية)، ويزيد من تفاقمها غياب تدابير الحماية والتجريم الفعلي لهوياتهم/ن. لقد زادت التطورات الأخيرة من حِدَّة هذه التحديات، حيث أصدرت وزارة الداخلية توجيهًا جديدًا لمدراء السجلات المدنية في جميع أنحاء الدولة، مما أدى فعليًا إلى تعقيد عملية سعي الأشخاص العابرين/ات جندريًا إلى الاعتراف القانوني بالجندر.

حتى الآن، استخدم العابرون/ات جندريًا ثغرةً في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لعام 1994، الذي يَنُصّ على إنشاء لجانٍ في السجلات المدنية في جميع المحافظات المصرية لتقييم طلبات المواطنين/ات لتصحيح سجلاتهم/ن المدنية. في غياب إطارٍ قانونيٍ واضحٍ للاعتراف بالجندر، وجد الأفراد العابرون/ات جندريًا ملاذًا في هذه اللجان، التي كانت بمثابة وسيلةٍ حيويةٍ لتغيير وثائقهم/ن القانونية في الدولة. عادةً ما تتطلب هذه اللجان فقط السجلات الطبية وعددًا صغيرًا من الوثائق المعتادة الأخرى، مثل السجلات الجنائية، ويمكن أن تستغرق عملية مراجعتها من شهرٍ إلى ستة أشهر، وغالبًا ما تنتهي بمنح التغييرات المطلوبة.

وفي الحالات النادرة التي يُرفَض فيها الطلب، تُحَال المسألة إلى القضاء، بالتحديد إلى المحاكم الإدارية في الدولة. يعتقد القضاء، جنبًا إلى جنبٍ مع أعلى السلطات الإسلامية في مصر، مثل الأزهر، أن الأفراد العابرين/ات جندريًا يجب ألا يخضعوا/ن لتغييراتٍ طبية، ويدعون بدلًا من ذلك إلى التدخلات العلاجية النفسية. يحظر هذا المنظور التدخلات الطبية حصريًا لحالات البينية الجنسية. نتيجةً لذلك، حددت السلطة القضائية اختبارات الحمض النووي كدليلٍ صالحٍ إما لمنح أو رفض الاعتراف القانوني بالجندر. إن الأساس المنطقي وراء ذلك واضح: إذا كانت الشريعة الإسلامية لا تسمح بالرعاية الصحية المُؤكِّدة للجندر للأفراد العابرين/ات جندريًا مع حصرها للأفراد بينيي/ات الجنس، وبالنظر إلى أن العلاجات الطبية لكلا المجموعتَيْن مُتشابهة، فإن أدلة الحمض النووي – وخاصة اختبارات الكروموسومات – تُصبِح ضرورية، لأن الحمض النووي لبينيي/ات الجنس فريد ولا يمكن للأفراد العابرين/ات جندريًا تغيير الكروموسومات، حتى بعد العبور.

على الرغم من التحيزات القضائية والدينية ضد الأفراد العابرين/ات، يبدو أنه حتى وقتٍ قريب، تبنت وزارة الداخلية سياسة “لا تسأل، لا تُفصِح.” ويُؤكِّد هذا الوضع تصريحات محامي القاهرة 52، محمود عثمان:
“أنا أعتقد أنها كانت حالةً محفوفةً بالمخاطرٍ بالنسبة لوزارة الداخلية؛ كثيرًا ما يكون الأفراد الذين يتقدمون/ن بطلباتٍ للحصول على الاعتراف القانوني بالجندر في مرحلةٍ مُتقدِّمةٍ من عبورهم/ن وقد يكونون/ن بالفعل قد أكملوا/ن العمليات الجراحية. وهكذا، واجهت الوزارة قرارًا صعبًا: رفضهم/ن، وبالتالي خلق حالةٍ يُصَنَّف فيها الأفراد قانونيًا على أنهم/ن أنثى ولكنهم ذكر جسديًا، أو العكس، أو السماح بالاعتراف القانوني بالجندر للحفاظ على التماسك الاجتماعي. حتى وقتٍ قريب، لقد قاموا باختيار اللاحق.”

لقد غَيَّرت التطورات الأخيرة بشكلٍ كبيرٍ المشهد المُحيط بالاعتراف القانوني بالجندر في مصر، لا سيما بعد قضيةٍ شهيرةٍ تتعلق برجلٍ عابرٍ جندريًا قد حصل على هذا الاعتراف بنجاح. تفاقم الحدث عندما تم الكشف عن أن هذا الشخص كان متزوجًا سابقًا وأنجب طفلَيْن قبل العبور. على الرغم من طلاق الفرد في عام 2016 قبل الحصول على الاعتراف القانوني بالجندر، فقد تم بذل جهدٍ لتعديل شهادات ميلاد الأطفال لتعكس اسمه الجديد وجنسه، وبالتالي تعيين والدَيْن ذكرَيْن في الوثائق. في حين أن وزارة الداخلية قد تتسامح مع الاعتراف القانوني بالجندر للأفراد العابرين/ات جندريًا لتعزيز التماسك الاجتماعي، إلا أنها لم تكن راغبةً في قبول إدراج رجلَيْن في شهادة ميلاد الطفل، لأن هذا قد يعني اعترافًا رسميًا بالعلاقات المِثْلية داخل البلاد.

تصاعد هذا الطلب إلى الرُتَب العليا في وزارة الداخلية، وبلغت ذروته بإحالة نائب وزير الداخلية للشؤون القانونية له في عام 2022 إلى مفوضي مجلس الدولة المصري، وهي هيئة قضائية استشارية داخل نظام المحاكم الإدارية. هذه الهيئة مُكلَّفة بمساعدة القُضاة في الحُكْم في القضايا عن طريق تقديم آراءٍ قضائيةٍ موضوعيةٍ وتفسيراتٍ قانونيةٍ بشأن مسائل تفتقر إلى الوضوح القانوني.

في يوليو 2024، أصدر مفوضي مجلس الدولة المصرية أخيرًا فتوى قانونيةً حول هذه المسألة. في حين أن الفتوى تستدعي تحليلًا مُستفيضًا، فمما هو شديد الأهمية تسليط الضوء على أنها أعربت عن رفضٍ عميقٍ فيما يتعلق بالاعتراف القانوني الأولي بالجندر للرجل العابر جندريًا. دعا مجلس الدولة المصرية وزارة الداخلية إلى إلغاء هذا الاعتراف وتشديد الإجراءات المُتعلِّقة بالاعتراف القانوني بالجندر للحد من الحصول عليه للأفراد بينيي/ات الجنس فقط، مع استبعاد الأفراد العابرين/ات جندريًا بشكلٍ صريح. ليس من الغريب أن يُشير المُفوِّضون إلى الآراء الدينية للأزهر وكذلك المبادئ القضائية الثابتة ذات الصلة بهذه القضية. نتيجةً لذلك، تلقُّت وزارة الداخلية الكثير من الانتقادات التي وجهها مجلس الدولة، بعد أن أغفلت عن غير قصدٍ المبادئ القضائية والدينية المُتعلِّقة بالاعتراف القانوني بالجندر. أثار هذا الإهمال مخاوف بشأن احتمال الاعتراف بأن الطفل له أبَوَيْن، وهو سيناريو تعتبره السلطات المصرية غير مقبولٍ نهائيًا.

ردًّا على ذلك، اتخذت وزارة الداخلية خطواتٍ لتصحيح هذا الوضع من خلال احداث متطلبات جديدة لعملية الحصول على الاعتراف القانوني بالجندر وتنفيذ تدقيقٍ أكثر صرامةً لمُقدِّمي/ات الطلبات. صدر توجيه جديد رقم 25/2024 يُحدِّد شرطَيْن رئيسيَيْن. أولًا، يجب على الأفراد الذين يلتمسون/ن الاعتراف القانوني بالجندر تقديم طلباتهم/ن في السجل المدني المُتوافِق مع مكان ميلادهم/ن بدلًا من مكان تسجيلهم/ن الحالي. لقد استُحدِث هذا التدبير في ضوء الإشاعات التي تُفيد بأن الأفراد يُغيِّرون/ن عناوينهم/ن من أجل التسجيل في السجلات المدنية التي تتسم بإجراءاتٍ أكثر تساهلًا. ثانيًا، أصبح منح الاعتراف القانوني بالجندر مشروطًا الآن بفحوصات الطب الشرعي الشاملة لمُقدِّمي/ات الطلبات، بما في ذلك اختبارات الحمض النووي للتأكد مما إذا كانوا/ن عابرين/اتٍ جندريًا أو بينيي/ات الجنس.

لقد تم بالفعل الشعور بعواقب هذه التعليمات، حيث وثَّقت القاهرة 52 بالفعل 10 حالات رفضٍ للأفراد بسبب اختبار الحمض النووي الذي يُشير إلى أنهم/ن عابرون/ات جندريًا وليسوا/ن بينيي/ات الجنس. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد تم تنفيذ التعليمات في جميع أنحاء البلاد، حيث تتركز هذه الحالات في منطقة الدلتا ومحافظة الإسكندرية. ستكون تأثيرات هذه التعليمات كارثيةً على الأفراد العابرين/ات جندريًا، كما وضَّح حمادة، وهو رجل عابر جندريًا وأحد عملائنا، الذي أعرب عن إحباطه:
“لقد تمكن جميع أصدقائي من تغيير وثائقهم/ن في وقتٍ مبكرٍ من هذا العام؛ أنا خضعت للعمليات الجراحية وقمت بالتطبيق كالمعتاد. فجأة، أرسلوني إلى السجل المدني الخاص بموْلِدي، ووجدت نفسي أمام طبيبٍ أبلغني أنني أحمل كروموسوماتٍ أنثوية، وبالتالي، يتم تصنيفي على أنني امرأة. اُنْظر إلي: ليس لدي ثديين، لدي لحية، صوتي ذكوري، وأرتدي ملابس رجالية، لكنهم قالوا إنني امرأة. ورفضوا طلبي؛ الآن قد دُمِّرت حياتي، ولا أعرف ماذا سأفعل.”

سد هذه الثغرة يعني أن الاعتراف القانوني بالجندر للأفراد العابرين/ات جندريًا سيُصبِح مسألةً قضائيةً حصريًا. بعد الرفض من السجل الدني، لا يملك المتقدِّمون/ات أي سبيلٍ للاعتراض إلا من خلال المحاكم الإدارية في البلاد. نظرًا لسجل المحاكم والفتاوى القانونية الأخيرة من مجلس الدولة المصرية، من الآمن القول إنه إذا تم تنفيذ هذا التوجيه بالكامل في جميع أنحاء الدولة، فسيتم إجبار الأفراد العابرين/ات جندريًا على العيش في مأزقٍ قانونيٍ إلى أجلٍ غير مسمى، دون أي وسيلةٍ لتغيير وثائقهم/ن القانونية. قامت سعاد، امرأة عابرة وعميلة للقاهرة 52، بالحديث معي بعد رفض طلبها:
“نحن، كنساءٍ عابرات، منبوذات بالفعل في المجتمع. لدينا فرص محدودة للحصول على العمل، التعليم، والسكن. لقد كان تغيير وثائقنا القانونية هو الشيء الوحيد الذي عِشْنا من أجله. لقد عَلًّقنا جميعًا آمالًا كبيرةً على أنه بمجرد تغيير وثائقنا القانونية، يمكننا أن نعيش حياةً شبه طبيعية؛ حتى لو فقدنا عائلاتنا، على الأقل يمكننا التنقل بحريةٍ دون الخوف من المضايقات الحكومية والاجتماعية بسبب عدم اتساق وثيقة هويتنا مع هويتنا الحقيقية. الآن، مع هذه التعليمات، تُصدِر الدولة بشكلٍ أساسيٍ أحكامًا بالإعدام بدون حتى مُحاكمتنا.”

ربما صاغتها سعاد بأفضل شكلٍ عندما ذكرت أنه مع هذه التعليمات الجديدة، يتم إصدار حكمٍ بالإعدام على الأفراد العابرين/ات جندريًا أو، على الأقل، أمر ترحيلٍ من داخل دولتهم/ن. أشار العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم/ن إلى أن إغلاق السبل للحصول على الاعتراف القانوني بالجندر لن يترك لهم/ن أي خيارٍ سوى مغادرة البلاد. ومع ذلك، لا يتمتع الجميع بالامتياز الكافي للانتقال إلى مكان آخر؛ وبالتالي، سيبقى الكثيرون/ات في مصر وسيواجهون/ات المزيد من المضايقات والعنف الاجتماعي والحكومي.

يجب على الحكومة المصرية عكس هذا القرار، إلى جانب القرارات السلبية الأخرى التي تم تقديمها في العقد الماضي، بما في ذلك حظر الأطباء الذين يقدمون/ن رعايةً صحيةً مُؤكِّدةً للجندر للأفراد العابرين/ات. إن هذه القرارات المُناهِضة لحقوق الإنسان ليست حلولًا؛ إنها تؤدي فقط إلى تفاقم محنة الأفراد العابرين/ات جندريًا في مصر. إن العابرين/ات جندريًا هم/ن مواطنون/ات مصريون/ات وينبغي أن يُكفَلوا/ن حقوق الإنسان الكاملة بموجب الدستور المصري وحقوق الإنسان الدولية، التي صادقت عليها مصر، لمساواة حقوقهم/ن مع نظرائهم/ن من المتجانسين/ات جندريًا. إن ضمان حقوق الإنسان الشاملة – لا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى أعلى المعايير التي يمكن تحقيقها من الرعاية الصحية، تدابير مكافحة التمييز، المساواة، والاعتراف القانوني بالجندر – سيُمكِّن الأفراد العابرين/ات من تقديم مساهماتٍ ذات مغزىً للمجتمع، الاقتصاد، والسياسة المصريين في جميع القطاعات. لا يُشكِّل الأفراد العابرون/ات جندريًا تهديدًا؛ بل هم/ن أفراد يتوقون/ن إلى أن يكونوا/ن أعضاءً متكاملين/اتٍ في المجتمع وأن يشاركوا/ن فيه بنشاط. إن خلق العقبات يدفعهم/ن للخروج من مختلف المساحات، مما يؤدي إلى تهميشهم/ن وحرمانهم/ن من حقوق الإنسان الأساسية، مما يجعلهم/ن مواطنين/اتٍ من الدرجة الثانية مع فُرصٍ محدودةٍ للعيش في البلاد.

Author

وسوم:
انشر: