من المؤكد أن العنف ضد النساء انتهاك لحقوق الإنسان، حيث أظهرت الإحصائيات العالمية الأخير أن امرأة واحدة من بين ثلاث نساء في العالم تعاني من العنف الجسدي أو الجنسي. إنهن تقع ضحايا للعديد من العواقب السلبية التي يمكن أن تمتد إلى أبعد من ذلك لتشمل عائلات ومجتمعات وأمما بأكملها. تعتبر الإعاقة عامل خطر لسوء المعاملة وسوء المعاملة، وعندما يتعلق الأمر بالنوع الاجتماعي، فإن النساء والفتيات ذوات الإعاقة أكثر عرضة للعنف، حيث كونهن نساء في المقام الأول وأشخاص ذوي إعاقة في المرتبة الثانية. تواجه النساء والفتيات ذوات الإعاقة العديد من التحديات والصعوبات التي تعيق تمكينهن، وتعزز مشاركتهن في المجتمع، وتمنعهن من المساهمة الفعالة في تحقيق التقدم والإنجازات التنموية. يحرمون من المشاركة الفعالة في المجتمع لأنهم لا يتلقون نفس الرعاية والتعليم مثل الآخرين. فأغلب حالات العنف ضد النساء تكون على يد الزوج، وذلك عالميا بصرف النظر عن التباينات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية، ويؤكد ذلك أن أكثر من 38% من حوادث قتل النساء في جميع أنحاء العالمي كان نتيجة عنف الزوج، وذلك وفق معدلات منظمة الصحة العالمية. فإذا أسقطنا الضوء على مصر نجد أن 34% من النساء في مصر ذوات الإعاقة يتعرضن للعنف بسبب الإعاقة من قبل الزوج، وتتعرض نحو 61% من النساء ذات الإعاقة البالغات من العمر 18 عاما فأكثر لبعض أشكال العنف على يد الزوج، و54% للعنف النفسي، و43% للعنف البدين، و20% للعنف الجنسي، و14% من النساء السابق لهن الزواج عانين من الأنواع الأربعة من العنف على يد الزوج. وفقا لأول دراسة وطنية أصدرها المجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحت عنوان “العنف ضد المرأة ذات الإعاقة” في فبراير 2022.
وقد أجري المسح على النساء الفقيرات البالغات من العمر 18 عامًا فأكثر، واللاتي يعانين من إعاقة (حركية أو سمعية أو بصرية أو متعددة)، واللاتي يستفدن من برنامج كرامة، في حين استُبعِدت النساء المعاقات نفسيًا وذهنيًا ونمائيًا بسبب صعوبة التواصل معهن، والحاجة إلى تدخل وسيط في أثناء إجراء المقابلة. وتعد الدراسة من أولى الدراسات في العالم من نوعها. وقد أجريت الدراسة بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبدعم سخي من وكالة الأمم المتحدة للتنمية الدولية (USAID) ومملكة النرويج. فقد أظهرت الدراسة عن أن تجارب النساء من ذوات الإعاقة مع العنف القائم على النوع الاجتماعي سواء كان (النفسي أو العنف الجسدي والجنسي) من أزواجهن، فإن ما يقرب من 60٪ من النساء المتزوجات سابقًا يخبرن عن تعرضهن للعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي على يد أزواجهن. فيما أوضح 33% من النساء أنهن تعرضوا لمثل هذا العنف. هذه النسب أعلى بكثير من تلك التي تنعكس في دراسات للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
ويعتبر العنف النفسي أكثر أنواع العنف الزوجي شيوعًا، حيث تتعرض حوالي 54٪ من النساء المتزوجات لنوع أو أكثر من أشكال العنف النفسي من قبل الزواج، وحوالي 30٪ من النساء يتعرضن لهذا العنف مؤخرًا. وتتقارب تلك النتائج مع مسح العنف القائم على النوع الاجتماعي لعام 2015، ولكن بمعدلات أعلى بكثير. حيث أوضحت حوالي 43٪ من النساء اللاتي شاركن في مسح العنف القائم على النوع الاجتماعي لعام 2015 أنهن تعرضن للعنف النفسي من أزواجهن، بحسب ما ورد في الدراسة. وأوضحت الدراسة أن تعرضت غالبية عينة الدراسة لمسح العنف ضد النساء ذوات الإعاقة لعام 2020 للعنف القائم على الإعاقة. قالت أن 34% من النساء المتزوجات سابقًا أنهن تعرضن لأنواع مختلفة للعنف القائم على الإعاقة من قبل أزواجهن، و 22% تعرضن مؤخرًا لمثل هذا العنف. ويبلغ العنف القائم على الإعاقة 65٪ التي تتعرض له النساء. حيث إن العنف القائم على الإعاقة الأكثر شيوعًا، ويتضح ذلك من تأكيد 17٪ من النساء ذوات الاعاقة تعرضهن للإهانة، و13٪ تم رفضت مساعدتهن عند الحاجة للمساعدة، و10٪ تعرضوا لتمييز سلبي أو تمييز في المعاملة بينهم وبين أفراد الأسرة الآخرين.([1])
فيما تابعة الدراسة أن لعمر المرأة والحالة الاجتماعية والمستوى التعليمي، تأثيرا على أنماط العنف الزوجي، فقد أوضحت أن الشباب عامل خطر فيما يتعلق بالتعرض للعنف الزوجي، إذ إن النساء دون سن 35 سنة كن الأكثر عرضة لإيذاء من الزوج، ومن ثم فهن أكثر عرضة للمعاناة من آثار العنف على الإنجاب والصحة الإنجابية. وقد يعكس هذا النمط جزئيا أن الرجال الأصغر سنا يميلون إلى العنف من الرجال الأكبر سنا، وأن العنف الزوجي يبدأ مبكرا في عديد من العلاقات. وقد تعكس هذه النتيجة أيضا أن النساء الأصغر سنا أكثر استعدادا للتصريح عن تعرضهن للعنف. وتستخلص الدراسة إلى أنه تعرضت نسبة كبرية من النساء ذوات الإعاقات المتعددة والنساء ذوات الإعاقات الشديدة، تعرضن لأفعال عنف ارتكبها أزواجهن. وهذا يعكس ما مدى قسوة بعض الأزواج في ممارسة العنف ضد هؤلاء النساء الضعيفات ذوات الإعاقة. كما كشفت الدراسة أن النساء الأصغر سنا أكثر احتمالا من النساء الأكبر سنا للتعرض لممارسات الزوج التحكمية، حيث إن نحو 11% من النساء السابق لهن الزواج أزواجهن يرفضون إعطاءهن ما يلزم من المال لتغطية النفقات المنزلية، حتى وإن كانوا قادرين ماديا، وأوضحن 10% أن أزواجهن يمنعونهن رغما عنهن من العمل. وبرغم أن التعاليم الدينية والمواثيق الدولية والقوانين المصري تمنع وتجرم العنف أو الضرب المبرح من قبل الزوج لزوجته إلا أن هناك نحو 38% من النساء ذات الإعاقة وافقوا على مبررات ضرب الزوج لزوجته ومنها (إهمال الأعمال المنزلية، إهمال رعاية الأطفال، التأخر في إعداد الطعام، حرق الطعام، الشك الدائم في الزوج وسؤاله عن الأماكن التي يذهب إليها، رفض ممارسة العلاقة الحميمة مع الزوج، المجادلة مع الزوج، الخروج دون إذن الزوج، الرد على الزوج والإسراف)، والشريحة الأكثر قبولا لذلك من نساء عينة الدراسة في الوجه القبلي. في حين أكدت نحو ثلث النساء أنهن يشعرن بالخوف من أزواجهن معظم أو كل الأوقات. وبالنسبة إلى العنف الأسري أو البيئة المحيطة كانت نتائج الدراسة أن 80% من نساء عينة الدراسة تعرضن للختان، و18% تزوجن قبل بلوغهن سن 18عاما، و14% أجبرن على الزواج.
وتعرض نحو 10% من النساء إلى نوع من أنواع العنف الجنسي من قبل أفراد العائلة أو أشخاص في البيئة المحيطة، ونحو 8% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي، و3% لهتك عرض، و15 حالة تعرضن للاغتصاب. ويأتي تعرض المرأة للعنف القائم على الإعاقة في المرتبة الثانية، إذ تعرض نحو 3 من بين 10 نساء، أي 28% يتعرضن إلي شكل من أشكال العنف القائم على الإعاقة، وتعرض 16% لهذا العنف. وفي المجمل، تعرض ما يقرب من 10% من النساء إلى شكل من أشكال العنف الجسمي أو التحرش الجسمي أو هتك العرض أو الاغتصاب من قبل أفراد عائلتهن أو أشخاص في البيئة المحيطة. كما يعتبر تعرض المرأة للإهانة أو التقليل من شأنها بسبب إعاقتها، هو أكثر أشكال العنف القائم على الإعاقة الذي تتعرض له النساء أو الفتيات شيوعا في البيئة المحيطة بهن أو في محيط الأسرة. ولقد أكدت الدراسة على أن النساء ضحايا العنف الجنسي غالبا لا يكشفن لأي شخص تعرضهن لهذا العنف، أو يبلغن أسرهن فقط. وذكرت الدراسة أنه يحد العنف ضد النساء والفتيات في الأماكن العامة من حرية المرأة في التنقل ويؤثر سلب على ممارسة التعليم والعمل وفرص الحياة الأخرى، فضلا عن صحتهن ورفاهيتهن. علاوة على ذلك، فهو يحد من اندماج المرأة في الحياة الاجتماعية والعامة. فحوالي 9٪ من النساء ذوات الإعاقات المتوسطة (إعاقات شديدة) و 6٪ من النساء ذوات الإعاقات الشديدة (مكفوفات تماما) يتعرضن لجميع أشكال العنف في الأماكن العامة. وكانت معظم النساء اللواتي تعرضن للعنف في الأماكن العامة سلبيات بشأن ردود أفعالهن.([2])
ولتقليل هذه الأعمال الإجرامية ومنعها، أصدرت مصر في عام 2014 قانون مكافحة التحرش الجنسي كتعديل للمادة 306 (أ) من قانون العقوبات المصري. وينص القانون على أحكام صرامة إذا كان للجاني سلطة على المجني عليه، أو ارتكبت الجريمة من عدة أشخاص، أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا، حيث تتراوح العقوبات بين السجن لمدة سنتين وخمس سنوات وغرامات تتراوح بين 20 ألفا إلى 50 ألف جنيه مصري.([3])
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يوجد حتى الآن قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة، علاوة علي عدم تنفيذ وتشكيل مفوضية مناهضة التمييز المنصوص عليها في المادة (53) من الدستور المصري لعام 2014. فإنه لابد من سن تشريع يعاقب فيه الزوج حال عدم إخطار الزوجة والتلاعب والتواطؤ مع الغير قاصدا عدم إخطار الزوجة بالزواج بأخرى وفق نص المادة (11) مكررا من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 والذي ينص على أن الزوج يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإن كان متزوج فعلياً فعليه أن يبين في الإقرار الزوجات اللاتي في عصمته. وضرورة إزالة الربط بين نص المادة (306) السابق ذكرها من قانون العقوبات والخاصة بالتحرش وتحقيق منفعة جنسيه ففي كثير من الأحيان يكون التحرش هو لتحقير من شأن المرأة والتقليل منها ونوع من فرض السيطرة الذكورية عليها. وأيضاً ضرورة النظر في إلغاء نص المادة (60) من قانون العقوبات والتي تسمح بالتعدي على الزوجة والإبنة تحت مسمى حق التأديب باعتباره عملاً بمقتضى تعاليم الدين الاسلامي.
فمن الضروري صدور قانون موحد لمناهضت العنف ضد المرأة، فمن هذا المنطلق فقد تم تقديم مشروع قانون من قبل النائبة نشوى الديب عضو مجلس النواب و60 عضوا آخرين، ويتضمن مشروع القانون على 7 أبواب تضم 50 مادة قانونية، ويحتوي الباب الأول على تعريفات خاصة بكل أشكال العنف والتي تقع ضد المرأة والعنف المعنوي والمادي والجنسي والاغتصاب والتحرش الجنسي والاستغلال الجنسي، وجرائم العنف ضد المرأة وداخل الأسرة.[4]
فقد كفل القانون المصري، وأيد حقوقا كثيرة لذوي الإعاقة، فالقانون رقم 10 لسنة 2018، وفر عديد من الامتيازات وأشكال الرعاية والحماية المكفولة لهم، كما يضمن قانون مجلس النواب تخصيص 8 مقاعد للإشخاص ذي الإعاقة ضمن نظام القوائم، التزاما بأحكام المادة (244) من الدستور. والقانون رقم 11 لسنة 2019، الذي يهدف لتعزيز وتنمية وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والقانون رقم 200 لسنة 2020 بشأن إنشاء “صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة” برئاسة رئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة منصوص عليها في “استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030″، التي تضيع تحقيق الحماية للفئات الأولى بالرعاية، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة، ضمن أهدافها الاجتماعية.([5])
([1]) دراسة العنف ضد المرأة ذات الإعاقة ، فبراير 2022م، الجزء الأول.
([2]) دراسة العنف ضد المرأة ذات الإعاقة ، فبراير 2022م، الجزء الثاني.
([3]) دستور جمهورية مصر العربية وفقاً للتعديلات الدستورية التي أدخلت عليه في 23 أبريل 2019.
([4]) ﻣﺸﺮوع اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﻮﺣﺪ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻌﻨﻒ ﺿﺪ اﻟﻤﺮأة
([5]) قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، وآخرها تعديل بالقانون رقم 141 لسنة 2021 .